أحسنت المتحدثة باسم البيت الأبيض ومن بعدها المتحدث باسم الخارجية بالتركيز على مصطلح “إعادة ضبط” العلاقات مع السعودية. “ري كاليباريت” صارت الكلمة المفتاحية للعلاقات التي تم التأكيد على أنها علاقات “شراكة استراتيجية”. الضبط بمعنى التقييم هنا موقوف على المعايير “كرايتيريا” وقد أرادتها إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، أن تكون معايير منسجمة مع “القيم الأمريكية”.
لكن ذلك الضبط لا بد أن يكون رابطا للمعايير كافة التي خضعت لوابل من أسئلة الصحافيين في اللقاء اليومي الذي جرى الإثنين في مقر الخارجية الأمريكية. تساؤلات كثيرة طرحت حول قانون خاشقجي الجديد الخاص بحظر السفر ولائحة الست وسبعين سعوديا الذين شملتهم العقوبات الأمريكية على خلفية التورط المزعوم بقتل وتقطيع أوصال الإعلامي والناشط السعودي المقيم إقامة دائمة بأمريكا جمال خاشقجي.
السؤال الكبير كان حول عدم شمول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالعقوبات إن كان “التقرير” الصادر عن “مكتب” مدير الوكالة الوطنية للاستخبارات قد أعرب عن “اعتقاده” بأنه قد أمر بعملية “اعتقال وجلب أو قتل” خاشقجي. لا يستقيم ثبوت التهمة بأدلة قطعية وعدم مساءلة المتهم لو كنا نتحدث بالفعل عن قيم ومعايير. مراسل وكالة أسوشييتيد برس، كبير الصحفيين المتابعين للخارجية الأمريكية دخل في سجال مع المتحدث نيد برايس في هذه المسألة تحديدا، فضلا عن سجال آخر في وقت لاحق حول رفع إدارة بايدن الحوثيين عن لائحة الإرهاب. ثمة حلقة مفقودة حاول برايس ومن قبل جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض الدوران حولها فيما يخص إمكانية إضافة أسماء أخرى للقائمة واحتفاظ الحق بمساءلة السعودية وولي عهدها في حال “تكرار” ما جرى في القنصلية السعودية باسطنبول. وعلى ذكر تركيا، كيف نفهم “صمت” رجب طيب إردوغان الذي ما ملّ ولا كلّ على مدى عامين من التهديد بإظهار “أدلة دامغة”!.
من إذن الذي يرفع قضية خاشقجي في وجه “إم بي إس” في أمريكا؟ إنها في تقديري ثلاث قوى: أولاها قوى معادية تاريخيا أو حديثا للسعودية وهي للأسف خليط بين قوى معادية لأسباب سياسية أو لغايات تتعلق بالمال السياسي وأترك للسادة القراء الاستنتاج المناسب. أما ثانيها فهي قوى حزبية مأخوذة بنشوة النصر والثأرية من كل حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب وأركان إدارته، وفي هذا السياق يبرز اسم صهره ومستشاره جاريد كوشنير. أما ثالثها وهي على ما يبدو صاحبة السطوة وبيدها زمام الأمور، فهي الدولة العميقة بمؤسسات مهنية تقليدية راسخة تحترف اقتناص الفرص مع تعاقب الإدارات ما بين جمهورية وديمقراطية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الحلفاء والأعداء والخصوم والمنافسين على حد سواء.
بعيدا عن صخب التصريحات سواء فيما يخص السعودية، روسيا، الصين، إيران أو تركيا، من المرجح استمرار حال التدوير بحثا عن استدامة مثمرة لعلاقات الشراكة. ثمة عبارة لازمت المتحدثة باسم البيت الأبيض – السيدة ساكي – وقد كانت متحدثة باسم الخارجية في إدارة أوباما الثانية، وهي “سيركل باك” بمعنى وعدها الصحافيين بالعودة للإجابة على سؤال لم تجد أو لم ترد الخوض فيه قبل العودة إلى ما يمكنها من الإجابة. فهل تدور الأمور بعد تطورات ما ثنائية أو إقليمية وتنتهي بهدية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون إلى نظيرها الروسي سيرغي لافروف في جنيف؟ “زر أصفر بكبسة حمراء” لتصفير العداد وبدء عهد جديد من العلاقات الثنائية وكأن شيئا لم يكن؟!