قبل عامين من وصول رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ إلى القمر، كانت سلسلة فنادق “هيلتون” تخطط بالفعل لاستقبال الضيوف في الفضاء.
وبتاريخ 2 مايو/ أيار من عام 1967، قال بارون هيلتون خلال مؤتمر الجمعية الفلكية الأمريكية في دالاس :”نادراً ما يمر يوم عندما لا يسألني أحدهم، بمرح، عن موعد افتتاح فندق لونار هيلتون. إنهم يمزحون بالطبع، ولكنني لا أعتبر ذلك مزحةً على الإطلاق”.
وشرع هيلتون، الذي كان حينها رئيس الشركة العائلية، في وضع خطة مفصلة تضمنت الفنادق المدارية والفنادق القمرية.
ويقول مارك إي يونغ، مؤرخ صناعة الضيافة في جامعة هيوستن: “بحلول عام 1967، كانت فترة سفر الناس على متن الطائرة لم تتعد الـ10 أعوام، لذلك كان هذا بمثابة مفهوم بعيد المدى”.
وأضاف: “ولكن هذا المفهوم حظي بالكثير من الاهتمام، وتداولته الصحف لأيام عديدة، وليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في جميع أنحاء العالم. كما كتب الناس رسائل يطلبون فيها بتسجيل الحجوزات. وبطريقة ما كان ذلك أعظم خطة علاقات عامة لهيلتون”.
كبسولة مدارية
وكان بارون هيلتون من عشاق الطيران الذين يمكنهم الطيران على متن الطائرات، والطائرات الشراعية، والمروحيات، ومناطيد الهواء الساخن. وقام بتنظيم مسابقات طيران، ولقاءات مع الطيارين، ورواد الفضاء في مزرعته “Flying M” في ولاية نيفادا الأمريكية، والتي تضمنت مهبطاً للطائرات.
ولدى بارون معرض سُمي باسمه في متحف سميثسونيان الوطني للطيران والفضاء. وكان الفضاء هو حدوده التالية، وقال للحاضرين في دالاس: “لدي اعتقاد راسخ أنه سيكون لدينا فنادق هيلتون في الفضاء الخارجي، وربما حتى قريباً جداً، ما يسمح لي بأن أكون مسؤولاً في الافتتاح الرسمي للأول”.
وتوفي بارون في عام 2019 ولم يتسن له رؤية حلمه يتحقق، ولكن مع سياحة الفضاء التي من المحتمل أن تكون قريبة جداً ومحطات الفضاء التجارية، لم يعد فندق الفضاء الفعلي يبدو بعيد المنال بعد الآن.
وكان فندق هيلتون، “Orbiter”، أول المشاريع الفضائية على خارطة الطريق، وهو نوع من مختبر للفضاء، صُممت مستوياته الـ14 لاستيعاب ما يصل إلى 24 شخصاً.
وأوضح هيلتون أن الغرض منه هو “الرحلات القصيرة في الفضاء”، مثل التوقف في رحلة إلى القمر أو كوكب آخر، وسوف يرحب بالضيوف الذين يصلون على متن “مركبة من ستة أشخاص”.
فندق “لونار هيلتون”
وبمجرد إنشاء الكبسولات المدارية، كانت الخطوة التالية لشركة “هيلتون” هي بناء فندق كامل تحت الأرض على سطح القمر، أي فندق “لونار هيلتون”.
وكان من المفترض أن يكون المدخل على مستوى السطح، مع بقية الهيكل من 20 إلى 30 قدماً تحت الأرض، للحفاظ على درجة حرارة ثابتة بسهولة أكبر، ويمكن أن تختلف درجة حرارة سطح القمر من 127 درجة مئوية إلى درجة حرارة متجمدة -173 درجة مئوية.
وصُمم فندق “لونار هيلتون” بثلاثة مستويات، إحداها تتضمن 100 غرفة ضيوف وصالة لتناول مشروبات الكوكتيل.
وأشار بارون إلى أن “السقاة سيكون لديهم عمل سهل، إذ سيحتاجون فقط إلى الضغط على الزر والذي سيخرج خليطاً مُقاس مسبقاً ومبرد من الكحول الإيثيلي النقي والماء المقطر. وفي الخليط، سيسقط النادل قرصاً بالنكهة المطلوبة لتحضير المشروب الفوري”.
أما عن الطهي، فيمكن أن يتم في “مطبخ المفاعل النووي، على الأغلب بواسطة الآلات”.
بينما ستبدو الغرف بشكل ملحوظ مثل تلك الموجودة في فنادق “هيلتون” العادية.
وأوضح يونغ: “لقد أرادوا الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الإحساس بغرفة الفندق على الأرض قدر الإمكان، ضمن حدود تكنولوجيا الفضاء، وهو أمر مثير للاهتمام، على ما أعتقد، لأنه إذا كنت رائد فضاء، فمن المحتمل أن يكون هذا هو آخر شيء قد تقلق بشأنه”.
مفاتيح الغرف
ولبيع الفكرة بشكل أفضل، تشاورت هيلتون مع دون دوغلاس، رئيس شركة ماكدونيل دوغلاس لصناعة الطائرات، مع دراسة جدوى قام بها طلاب في جامعة كورنيل، والذين اقترحوا بعض الرسومات والأدوات المثيرة للاهتمام، ومن بينها نموذج لحجز غرفة، والذي ينص على “بعد عام 1980” كتاريخ الوصول، بالإضافة إلى مفتاح وهمي لإحدى الغرف. ويقول يونغ: “أحب ذلك، لأنهم كانوا يحاولون تخيل شكل مفتاح المستقبل في عام 1967”.
ويضيف يونغ: “لقد توصلوا إلى مفتاح أنيق المظهر، ولكن ما كنا نستخدمه بالفعل كمفاتيح فندق على مدار الخمسة وعشرين عاماً الماضية أو نحو ذلك، أي بطاقة المفتاح، كان حقاً بعيداً عن مفهومهم”.
وكانت هناك أمور أخرى غير قابلة للفهم في ذلك الوقت مثل المياه، والأكسجين، وانعدام الوزن.
وفي عام 1968، بعد عام واحد، تم إحياء الفكرة بمزيد من الذوق البصري خلال فيلم “2001: أوديسا الفضاء” للمخرج ستانلي كوبريك، والذي تضمن مشهداً في منطقة صالة أحد فنادق هيلتون الفضائية.
ولكن، هل كان هيلتون مقتنعاً حقاً بأنه يستطيع بناء فندق مداري في حياته؟ يقول يونغ إن فكرة هيلتون كانت بغالبيتها لهدف التسلية، وجزء منها كان جاداً فقط، إذ حينها لم يكن الإنسان قد وصل على سطح القمر بعد، ولكن إذا كانت وكالة “ناسا” جادة بشأن إقامة فندق هناك أو شيء من هذا القبيل، فقد أرادت هيلتون أن تكون في المقدمة.