بعد أن أمضت شهورًا في وضع “نظام إشارات المرور” لتصنيف البلدان باللون الأحمر أو البرتقالي أو الأخضر بحسب مستوى المخاطر، وفرضت إجراءات الفحوصات والحجر الصحي لمطابقتها، أطلقت الحكومة البريطانية لوائح السفر المعنية بـ”كوفيد-19″ في 7 مايو/أيار الماضي، ولكن يبدو أنها عادت أدراجها في أول تحديث للمخطط بعد أقل من شهر على إطلاقه.
وفي 3 يونيو/ حزيران الجاري، كان من المتوقع على نطاق واسع أن تنضم وجهات مثل مالطا، واليونان، وغرينادا، إلى القائمة الخضراء، مما يعني أن أي شخص يصل من تلك الوجهات سيتجنب الحجر الصحي.
ولكن بدلاً من ذلك، لم تقم الحكومة البريطانية بإضافة أي دولة جديدة إلى القائمة الخضراء، بل خفضت تصنيف البرتغال، الوجهة السياحية الحقيقية الوحيدة في المملكة المتحدة من القائمة الخضراء إلى القائمة البرتقالية، مما يعني أنه يتوجب على المسافرين القادمين من هناك الخضوع للحجر الصحي لمدة 10 أيام.
ولم يكن من المفترض أن يحدث ذلك، بل كان من المفترض أن تُضاف البلدان الخضراء التي كانت تتجه نحو القائمة البرتقالية أولاً إلى “قائمة المراقبة الخضراء”، مما يعطي تحذيرًا مناسبًا من أنه يمكن أن يتغير تصنيف الوجهة “لمنح المسافرين مزيدًا من اليقين”، كما أُعلن في ذلك الوقت.
وبدلاً من ذلك، “بدأت الحكومة البريطانية في تمزيق كتاب القواعد في أول فرصة،” وفقًا لما يقوله سايمون مكنمارا، المدير القطري المسؤول عن المملكة المتحدة وأيرلندا لدى اتحاد النقل الجوي الدولي.
ويتابع مكنمارا: “كان من المتوقع على نطاق واسع أن تتم إضافة بعض الدول [في 3 يونيو]”.
وأوضح وزير النقل البريطاني، جرانت شابس، خلال إعلانه التحديث في 3 يونيو/ حزيران الجاري، أنه يتخذ “نهج السلامة أولاً”.
ويصر ماكنمارا على أن الحكومة البريطانية “فعلت بالضبط الشيء الذي قالت إنها لن تفعله، وخلقت الفوضى”.
القشة الأخيرة
ولم تخلق مجرد الفوضى بل الغضب أيضًا، وكانت صناعة السفر التي أصيبت بالشلل في جميع أنحاء العالم بسبب جائحة “كوفيد-19” مرهقة بالفعل. ولكن شطب البرتغال من القائمة الخضراء دفع العديد من العاملين بالصناعة إلى الحافة.
ومن هنا جاءت رسالة البريد الإلكتروني الغاضبة من وكالة “Trailfinders”، إحدى أكبر وكلاء السفر في المملكة المتحدة، إلى 1.2 مليون من عملاء الشركة.
وجاء في مضمون الرسالة: “كم عدد مسؤولي قوات الحدود الذين يطلب وجودهم لفحص مسافر بريطاني محصن بالكامل عائد من بلد ليس فيه معدلات إصابة أسوأ من المملكة المتحدة؟”
وتشتمل الرسالة جدولاً بأعداد حالات “كوفيد-19” ومعدلات التطعيم في خمس دول هي مالطا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والبرتغال وإسبانيا، أظهرت جميعها معدلات إصابة أقل من المملكة المتحدة.
ويقول توبي كيلي، الرئيس التنفيذي لشركة “Trailfinders”، عندما سئل عن سبب إرسال البريد الإلكتروني إن “جمهور المسافرين يستحقون الحقائق”.
وأضاف: “لقد قيل لنا إن قرارات نظام إشارات المرور استندت إلى البيانات. ويجب أن تكون البيانات والمنهجية علنية، لذا أردنا [عملائنا] أن ينظروا إلى البيانات ويستخلصوا استنتاجاتهم الخاصة”.
وقال متحدث باسم وزارة النقل في المملكة المتحدة إن نظام إشارات المرور يتم تحديده من قبل الوزراء، الذين يتخذون القرار من خلال تقييم المخاطر التي حددها مركز الأمن الحيوي المشترك.
وتشمل العوامل قدرة المراقبة الجينية، ومخاطر الانتقال، والمخاطر المتنوعة.
ولكن كيلي يرى أن هذا لا يكفي، ويقول: “الثقة في السفر تعرضت لضربة قوية عندما خرجت البرتغال من القائمة الخضراء، إذ يشير ذلك إلى أن الدول ستدخل وتخرج دون مبرر واضح”.
ويضيف: “إذا فهم المسافرون أن الحالات في البلدان الأخرى أقل، أو منخفضة مثل مستويات المملكة المتحدة ، وأن مستويات التحصين متشابهة، أو أكبر، فقد يشعرون بمزيد من الثقة بشأن حجز رحلات السفر للأشهر المقبلة”.
ويوافق الاتحاد الأوروبي على السماح بدخول المسافرين الملقحين.
وبالنسبة إلى جوليا لو بوي-سيد، الرئيسة التنفيذية لشركة “Advantage Travel Partnership”، وهي أكبر اتحاد مستقل لوكلاء السفر في المملكة المتحدة، فإن هناك الكثير من الخوف في المجتمع، والكثير من إثارة الذعر، إذ تقول: “أشعر أن الحكومة تلعب بذلك، وإلا فلا منطق من ذلك. وفي غياب الشفافية، يقودك ذلك إلى طرح الأسئلة”.
وتشير لو بوي-سيد إلى صيف عام 2020، عندما سمحت قائمة “ممرات السفر” في المملكة المتحدة للأشخاص بالسفر من وإلى البلاد بدون فحوصات أو حجر صحي.
وتساءلت قائلة :”لقد قمنا بتطعيم 50% من السكان البالغين، فكيف يمكن أن نكون في وضع أسوأ الآن من العام الماضي؟”
ماذا حصل؟
وبعد نوبة كارثية من “كوفيد-19” في العام الأول من الجائحة، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه “آسف بشدة” عندما أصبحت المملكة المتحدة أول دولة في أوروبا تتضمن 100 ألف حالة وفاة ناجمة عن فيروس كورونا في 26 يناير/ كانون الثاني.
وحازت حملة اللقاح فائقة السرعة على الاستحسان في جميع أنحاء العالم، وتلقى أكثر من 42 مليونًا من سكانها البالغ عددهم 53 مليونًا جرعة واحدة على الأقل.
وعلى عكس العديد من البلدان حول العالم التي أغلقت حدودها، أو طبقت إجراءات الحجر الصحي أو الفحص في بداية الجائحة، كانت المملكة المتحدة تسمح لأي شخص بالدخول من أي مكان في العالم، دون الخضوع لأي فحص أو حجر صحي، خلال الأشهر القليلة الأولى.
وفي يونيو/ حزيران 2020، فرضت حجرًا صحيًا شاملاً لمدة 14 يومًا على أي شخص يصل من وجهة غير مصنفة على أنها “منخفضة المخاطر”.
وبعد اكتشاف متحور المملكة المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2020، قامت بعض الدول بحظر الوافدين من المملكة المتحدة.
وسرعان ما أُعلن أن السفر غير الضروري غير قانوني، مع فرض غرامات قدرها 5،000 جنيه إسترليني، أي 7،000 دولار، في مارس/آذار 2021 على أولئك الذين تم القبض عليهم في المطار يحاولون الفرار من البلاد بلا سبب كاف.
ولكن بينما كانت القيود تتزايد، كانت صناعة السفر تتطلع إلى المستقبل. وفي فبراير/ شباط الماضي، شكلت حكومة المملكة المتحدة “فرقة عمل” للسفر لإنشاء “إطار عمل لعودة آمنة ومستدامة للسفر الدولي” بهدف إعادة التشغيل في 17 مايو/ أيار الماضي.
واستشار فريق العمل المتخصصين في صناعة السفر، من شركات الطيران إلى منظمي الرحلات السياحية، وكانت النتيجة نظام لإشارات المرور، أعلن عنه في 7 مايو/ أيار الماضي، ولكن عدد البلدان المدرجة في القائمة الخضراء كان يبدو منخفضًا بالفعل، فهي تتألف بشكل أساسي من وجهات لا تقبل السياح من المملكة المتحدة (مثل أستراليا ونيوزيلندا) ووجهات أصغر غير مناسبة للسياحة الجماعية، مثل جزر فوكلاند وجزر فارو.
وكانت إسرائيل، وجبل طارق، والبرتغال هي الوجهات الوحيدة لأشعة الشمس في القائمة، ولكن الصراع الحالي في إسرائيل استبعدها بالنسبة للكثيرين. أما عن إقليم جبل طارق البريطاني ما وراء البحار، فبالكاد يعتبر وجهة سياحية جماعية بمساحة 2.625 ميل مربع فقط.
ووضعت شركات الطيران آمالها على الرحلات إلى البرتغال، وأصبح السفر غير الضروري قانونيًا مرة أخرى في 17 مايو/ أيار الماضي.
ولكن السباق إلى الشمس البرتغالية استمر 17 يومًا فقط، عندما جاء التحديث وانتقلت البرتغال إلى القائمة البرتقالية.
تحورات متزايدة على الرغم من التطعيمات
مع ارتفاع معدلات الإصابة على الرغم من توزيع اللقاح، ارتفعت أعداد الحالات بنسبة 78% في الأسبوع الذي يسبق 18 يونيو/ حزيران، مما دفع كل من إيطاليا لفرض الحجر الصحي لمدة خمسة أيام على الوافدين من المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي لإبقائه خارج “القائمة البيضاء” للوجهات المعتمدة.
وتعرض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لانتقادات لعدم إضافة الهند إلى القائمة الحمراء في 9 أبريل/ نيسان الماضي، عندما أضاف دولتين مجاورتين، هما باكستان وبنغلاديش. وبدلاً من ذلك، انتظر حتى الـ 23 من الشهر ذاته.
وقالت النائب المعارضة إيفيت كوبر: “كان يجب أن يضعوا الهند ضمن القائمة الحمراء في نفس الوقت مع باكستان وبنغلاديش. منذ ذلك الحين، كانت لدينا فترة الثلاثة أسابيع التي عاد خلالها آلاف الأشخاص من الهند والتي ربما تتضمن المئات من حالات من فيروس كورونا المتحور الجديدة”.
وفي الوقت الحالي، يسود متحور “دلتا”، الذي اكتُشف لأول مرة في الهند، في المملكة المتحدة، ويقود ما يسميه العلماء الموجة الثالثة التي كانت تتجهز بالفعل عندما سحبت الحكومة دولة البرتغال من القائمة الخضراء.
وقال متحدث باسم وزارة النقل البريطانية إن: “قرار عدم إضافة أي دولة إلى القائمة الخضراء ونقل البرتغال إلى قائمة البرتقالية قد تم اتخاذه في ضوء التحورات المثيرة للقلق والطفرات الناشئة”.
وأضاف: “تتخذ إنجلترا نهجًا حذرًا لفتح السفر الدولي، لحماية المملكة المتحدة من إصابات جديدة في وقت يشهد معدلات إصابة منخفضة واستمرار توزيع اللقاح”.
السياح يذهبون إلى مكان آخر
وتشعر باتريشيا ييتس، مديرة الإستراتيجية والاتصالات في هيئة السياحة الوطنية “Visit Britain”، بالقلق من أن القيود التي تفرضها المملكة المتحدة تعني أنها متخلفة عن البلدان الأخرى في اندفاعها لجذب السياح المستعدين للسفر مرة أخرى.
وجلبت السياحة الدولية 28 مليار جنيه إسترليني، أي 39 مليار دولار، إلى المملكة المتحدة كل عام في فترة ما قبل الجائحة. وهذا العام، من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إلى 6 مليارات جنيه إسترليني فقط، أي 8.3 مليار دولار.
ومع قيام الدول الأوروبية بالترحيب بالزوار الأمريكيين الذين ينفقون مبالغ كبيرة والذين عادةً ما يقضون وقتًا في بريطانيا، فمن المحتمل أن أولئك الذين يرغبون بالسفر في الوقت الحالي، قد يتجاوزون توقفهم المعتاد في لندن ويتوجهون مباشرة إلى البلدان الأكثر ترحيباً.
وتقول ييتس: “يمكنك أن ترى البلدان في جميع أنحاء العالم تبحث في كيفية إعادة بناء صناعة السياحة الخاصة بها، إنها تستثمر بشكل كبير وتنظر أولاً إلى الأسواق التي تريد جذبها، ثم كيفية استعراض سياساتها الحدودية لجذب الأسواق ذات الإنفاق المرتفع”.
ومن جانبه يشير جون بيفان، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة “دناتا” للسفريات التي تتخذ من دبي مقراً لها، إلى أن لندن هذا الصيف ستفتقد زوار الشرق الأوسط الأثرياء الذين يقضون الصيف عادًة في العاصمة البريطانية.
ويقول بيفان: “المجتمع الإماراتي الذي يأتي وينفق بكثافة في المحلات التجارية والمطاعم لن يكون موجودًا، ولن تكون طوابق الفندق مشغولة بأكملها من قبل العائلات المنفردة. فلن يرغبوا في البقاء بحجر فندقي لمدة 10 أيام، لن يأتوا ببساطة، إنه أمر مروع للندن”.
المقاومة تبدأ
وبعد شهور من الانتظار، يتحرك صناع السفر في المملكة المتحدة، وفي 23 يونيو/ حزيران الجاري، أي قبل خمسة أيام من التحديث التالي لقائمة إشارات المرور، والمقرر إجراؤه في 28 يونيو / حزيران الجاري، سيقوم عمال الصناعة في جميع أنحاء البلاد بالضغط على نوابهم (البرلمانيين) وعقد فعاليات في لندن وإدنبره وبلفاست.
تخفيف للقيود؟
وظهرت شائعات مؤخراً بأن المملكة المتحدة قد تدرس خطة مماثلة لتلك التي تتبعها العديد من الدول الأوروبية، والتي تسمح للمسافرين الذين تلقوا التطعيم بالكامل بتخطي الحجر الصحي، حتى من وجهة ضمن القائمة البرتقالية، اعتبارًا من نهاية يوليو/ تموز.
ويبدو أن جيسي نورمان، السكرتير المالي لوزارة الخزانة البريطانية، يؤكد ذلك، قائلاً في مقابلة عبر قناة “سكاي نيوز” إنه “قيد الدراسة …لا نريد أن نتخلف عن الركب من قبل البلدان التي قد تتبنى نهج التطعيم بالكامل إذا كان من الممكن القيام بذلك بأمان وبعناية”.
ضربة للعملاء
وقد يكون الأوان قد فات، حتى وإن خفت القيود.
وتخشى لو بوي-سيد من أن ترتفع الأسعار بالنسبة للمسافرين في المملكة المتحدة.
وبالطبع، من المرجح أن يؤدي تخفيف القيود إلى زيادة في أعداد الحالات، كما لوحظ بالفعل في الأرقام المتزايدة منذ رفع الإغلاق المحلي.
ويقول ماكنمارا: “يبدو أن الحكومة تتجه نحو استراتيجية خالية من المخاطر، ولكن لا يوجد ما هو خال من المخاطر. كل شيء فيه القليل من المخاطرة”، مضيفاً: “الطيران ليس عملاً خاليًا من المخاطر، ولكنه يُدار بشكل جيد للغاية، ونتيجة لذلك فهو أكثر وسائل النقل أمانًا”، مؤكداً: “نعم، سيكون هناك بعض الانتقال عبر الحدود، ولكن لا يوجد سبب يمنعنا من اتباع نهج مماثل لهذه المخاطر”.