حدّت الإجراءات الوقائية الخاصة بـ”كوفيد-19″، التي وُضعت حفاظًا على سلامتنا خلال سنتين ونصف السنة المنصرمة، مثل الإغلاق التام، والتباعد الجسدي، وارتداء الأقنعة، وغسل اليدين، من انتشار الفيروسات الأخرى. ومع عودة الناس إلى المدرسة، ومكاتب العمل، ونزع أقنعتهم، عادت تلك الفيروسات، ضمنًا الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا، للانتشار بزخم كبير.
ورأى العلماء أنّ “فجوة المناعة” الناجمة عن السنوات القليلة الماضية، يرجّح أنها تسبّبت بهذا الانتشار المبكر “غير المسبوق” للفيروس المخلوي التنفسي حاليًا، وينسحب ذلك على فيروسات الجهاز التنفسي الموسمية الأخرى التي تنتشر في العالم.
وقالت راشيل بيكر، عالمة الأوبئة والأستاذة المساعدة في جامعة براون، إنّه”لطالما كان لدينا سجلًا للفيروس المخلوي التنفسي وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى في الولايات المتحدة، وبالتالي نعلم أنّ هذه الأنماط المنتظمة جدًا لجهة التفشي كانت موجودة”.
ولفتت بيكر إلى أنّ “الفيروس المخلوي التنفسي ينتشر سنويًا في أواخر الخريف وخلال الشتاء، ويصيب غالبًا الأطفال الصغار. ثم يختفي مرة أخرى خلال فصلي الربيع والصيف، ليعود ويظهر مجدّدًا في الشتاء التالي، مضيفة “أنّه أمر يحدث بانتظام شديد ويمكن توقّعه”.
وبدأت حالات الفيروس المخلوي التنفسي بالظهور في الولايات المتحدة خلال فصل الربيع، وسجّلت إلى الآن أعلى معدل بلغت نسبته 60٪ مقارنة مع أسبوع الذروة عام 2021، وفق ما بيّن تحليل لـCNN، وربما تكون هذه التقديرات أدنى من المعدل الفعلي.
إلى ذلك، شهد انتشار الانفلونزا تصاعدًا بعدد الحالات في أنحاء الولايات المتحدة، أيضًا، في وقت أبكر قليلاً من المعتاد. وسجل غياب عدد كبير من التلاميذ في بضع مدارس، ولحظت العيادات الطبية زيادة بعدد الإصابات بفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى، في أوقات لا تتناسب مع الأنماط المعتادة.
وانسحبت هذه الأنماط غير المألوفة على التهابات الجهاز التنفسي الأخرى مثل الفيروس الغدي، والنظير الإنفلونزا، والفيروس الأنفي، التي تنتشر في دول أخرى أيضًا.
ويعتقد العلماء أنّ الإجراءات غير المسبوقة للجائحة كان لها تأثيرات غير مسبوقة أيضًا.
تدابير “كوفيد-19” الوقائية حدّت من انتشار فيروسات أخرى
وقال الدكتور كيفين ميساكار، الأستاذ المساعد بقسم طب الأطفال في مستشفى الأطفال بكولورادو، إنه”في الواقع، درجة التغيرات المجتمعية التي رافقت جائحة كوفيد غير مسبوقة في العصر الحديث”.
وعلى غرار “كوفيد-19″، ينتشر الفيروس المخلوي التنفسي، والإنفلونزا، من خلال الرذاذ المتطاير في الهواء عند السعال أو العطس. وتستمر القطرات لساعات على الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرّر، مثل مقابض الأبواب ومفاتيح الإضاءة.
لذا فإن الأشخاص الذين غسلوا أيديهم وطهّروا الأسطح، والذين ارتدوا أقنعة وابتعدوا عن الآخرين، لم يحدّوا فقط من انتشار فيروس كورونا، بل من فيروسات أخرى.
وقالت بيكر: “رغم أنّ هذه التدخلات كانت رائعة للحد من انتشار كوفيد-19، إلا أنها حدّت أيضًا من انتشار أمراض الجهاز التنفسي الأخرى مثل الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا”.
وبيّنت الدراسات تراجعًا مفاجئًا بحالات الفيروس المخلوي التنفسي والإستشفاء خلال موسمي 2020 و2021، بالإضافة إلى تراجع انتشار الأنفلونزا على نحو غير مألوف. ورأت بيكر، أن هذا الأمر “مذهل حقًا”.
لكن مع توفر لقاحات وعلاجات “كوفيد-19″، بدأ المزيد من الأشخاص بالعودة إلى المدرسة، ومكاتب العمل، والتفاعل من دون أقنعة. وبالتالي بدأوا بتبادل الجراثيم أيضًا.
فهم فجوة المناعة
يكتسب الأطفال مناعة طبيعية ضد الفيروسات عندما يتعرضون لها. وبحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، فإنّ معظم الأطفال يصابون بالفيروس المخلوي التنفسي قبل بلوغ عامهم الثاني. أما حديثو الولادة فيحصلون على بعض الحماية السلبية من أمهاتهم اللواتي يمرّرن أجسامًا مضادة لهم بواسطة الرضاعة.
لكن، فرصة التقاط الأطفال الذين ولدوا خلال الجائحة، ومن يحيطون بهم، لهذا الفيروس أو فيروسات أخرى، تدنّت في العامين المنصرمين. وبالتالي تضاءلت مناعتهم أو لم تتشكل أساسًا. لذلك عندما بدأ هؤلاء الصغار وأولياء أمورهم بالتفاعل مع الآخرين، أمسوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
وتعاون كل من ميساكار وبيكر هذا الصيف على كتابة تعليق في هذا الصدد نُشر في المجلة الطبية The Lancet، مفاده أنّ “تدنّي التعرض للفيروسات المتوطنة خلق فجوة في المناعة، وذلك جرّاء تجنّب مجموعة من الأفراد المعرضين للإصابة العدوى، وأصبحوا بالتالي يفتقرون إلى المناعة الخاصة بمسببات الأمراض للحماية من العدوى المستقبلية”.
كما حذرا المستشفيات من ضرورة التحلي بالمرونة والاستعداد لمواجهة مواسم أمراض الجهاز التنفسي التي لا يمكن التنبؤ بها بسبب هذه الفجوة.
وقال ميساكار لـCNN: “كنّا نعلم ألا مفرّ من عودة هذه الأمراض”.
وعلّقت بيكر: “نشهد راهنًا على انتشار هذه الفيروسات بشكل كبير”، متابعة أنها “لا تصيب الأطفال، لا سيما فئة حديثي الولادة، بل أصابت العدوى الأطفال الأكبر سنًا”.
ولا يعتقد كل من بيكر وميساكار أنّ نمط الموسم المبكر للفيروس المخلوي التنفسي سينتظم قريبًا، بل سيستغرق بعض الوقت للعودة إلى دورته التي يمكن التنبؤ بها.
وأوضحت بيكر: “نمرّ الآن بفترة غريبة بعض الشيء، لكنني أعتقد أنه في السنوات القليلة المقبلة، سنشهد على تفشي هذه الفيروسات على نحو منتظم، إلا أنّ الأمر متّصل بما يحدث مع كوفيد”. فإذا ساء وضع فيروس كورونا لدرجة تستدعي عمليات إغلاق ضرورية، فقد يؤدي ذلك مجدّدًا إلى التخلص من موسمية الفيروسات الأخرى.
ولفت ميساكار إلى أنّه مع فيروسات مثل الإنفلونزا، ثمة المزيد من العوامل المعنية.
ما من لقاح يقيك من الفيروس المخلوي التنفسي، لكن ثمة لقاحًا للإنفلونزا، لذلك إذا كان لقاح الإنفلونزا مناسبًا للسلالة في الدورة الدموية وتلقاه عدد كافٍ من الأشخاص، فقد تتجنب الدولة ارتفاعًا مفاجئًا بعدد الحالات على غرار ما نشهده مع الفيروس المخلوي التنفسي.
مع الإشارة إلى أن العلماء يصنّعون لقاحًا خاصًا بالفيروس المخلوي التنفسي، لكنه لن يكون متوفرًا هذا الموسم.
ما العمل؟
في الأثناء، ثمة بعض الأمور المألوفة للغاية التي يجب القيام بها للحد من انتشار الفيروس المخلوي التنفسي، وهي:
- غسل اليدين.
- الحافظ على نظافة الأسطح المستخدمة بشكل متكرر.
- العطس أو السعال في منديل ورقي أو في مرفقك بدلاً من يديك.
- تعزيز المناعة من خلال الحصول على قسط وافر من النوم واتباع نظام غذائي صحي.
- ارتداء القناع، لا سيّما في حال المرض، والأهم من ذلك، البقاء في المنزل.