عادت أزمة تكدس البضائع في الموانئ المصرية نتيجة صعوبة توفير الدولار، ولكن بوتيرة أقل من المرة السابقة، وفقا لما ذكره مستوردون.
وأرجع المستوردون السبب إلى المضاربة على الدولار في السوق الموازية بعد انتشار أنباء عن تخفيض جديد في قيمة الجنيه، فيما تدرس الحكومة بدائل عدة لزيادة حصيلتها الدولارية، منها دراسة بيع حصص من الشركات المقيدة في البورصة المصرية، إضافة إلى برنامج الطروحات السابق الإعلان عنه.
وظهرت أزمة نقص الدولار في مصر في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط من العام الماضي، مما أدت إلى تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد بأكثر من 6 مليارات دولار خلال 2022، وانخفاض الجنيه بنسبة 100% أمام الدولار، والذي وصل إلى مستويات 30.82 جنيه للشراء، 30.93 جنيه للبيع، بالبنك المركزي المصري، الأربعاء.
وقال أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، إن أزمة تراكم البضائع عادت مرة ثانية خلال آخر 10 أيام، ولكن بوتيرة أقل من المرة السابقة، نتيجة البطئ في تدبير العملة الأجنبية مما أدت إلى تكدس نسبي في الموانئ، متوقعا عودة مستويات الإفراج عن البضائع لمعدلاتها الطبيعية خلال فترة من 7-10 أيام، حال القضاء على ظاهرة الدولرة (المتاجرة في العملة الأمريكية) في السوق المحلي.
وتكدست الموانئ بالبضائع في أعقاب قراري البنك المركزي بتطبيق نظام الاعتمادات المستندية في الاستيراد، وقيود تدبير النقد الأجنبي للشركات بهدف ترشيد الاستيراد، واستمرت الأزمة أكثر من 6 شهور، ومع بداية العام الحالي تم إلغاء هذه القرارات وتدبير الدولار للمستوردين والإفراج عن كل البضائع المتراكمة.
وأوضح شيحة، في تصريحات خاصة ، أن موارد مصر من الدولار تفوق احتياجاتها في الاستيراد، إذ تبلغ حجم مواردنا 150 مليار دولار في حين تستورد مصر بقيمة 85 مليار دولار، إلا أن متاجرة البعض في الدولار، وتهريب الأموال للخارج يؤثر على تدبير العملة الخضراء اللازمة للاستيراد، مشيرا إلى أن الحكومة تحاول جاهدة تدبير النقد الأجنبي للمستوردين لتوفير السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج والأدوية، ويتم الإفراج عنها أولا بأول، في حين تشهد السلع تامة الصنع تأخيرا نسبيا.
وتحصل مصر على الدولار من 5 موارد وهم: الصادرات، وتحويلات العاملين بالخارج، والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر، وإيرادات قناة السويس، وجاءت الصادرات في المركز الأول من حيث إيرادات الدولار بقيمة 53.8 مليار دولار خلال عام 2022 بنسبة نمو سنوي 20%.
وشدد أحمد شيحة، على ضرورة القضاء على السوق الموازية للدولار التي تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين للمتاجرة به، مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني وأسعار السلع المتاحة في السوق، مشيرا إلى أن سعر الدولار في السوق الموازية يزيد عن السعر الرسمي بقيمة تتراوح بين 1.5-2 جنيه لكل دولار.
وقال عماد قناوي، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، إن الدولة تضع أولوية في تدبير الدولار لاستيراد المنتجات الغذائية الأساسية ومستلزمات الإنتاج اللازمة للصناعة وكذلك الأدوية، لإتاحة السلع بأسعار مناسبة في الأسواق وتشغيل المصانع لزيادة الصادرات وخفض فاتورة الواردات، إلا أن بعض السلع خارج هذه القائمة تشهد بطئا في تدبير الدولار، مما أدى إلى تأخير الإفراج عنها في الموانئ، ولكن دون تكدس مماثل للمرة الماضية.
ووفقا لبيان رسمي لوزارة الزراعة، تم الإفراج عن مستلزمات الأعلاف بلغت 2.8 مليون طن بقيمة 1.4 مليار دولار خلال الفترة من 24 فبراير/ شباط الماضي، وحتى 2 مارس/ آذار الجاري.
وأضاف قناوي، في تصريحات خاصة، أن الحكومة تسعى لتعظيم مواردها من الدولار، وتدرس طرقا عدة لتدبير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، والذي يصل إلى متوسط 7-8 مليارات دولار متنوعة بين مستلزمات الإنتاج، وسلع غذائية، وسلع تامة الصنع، متابعا أن البضائع الموجودة بالموانئ بها كميات ضئيلة، وذلك بعد التحسن في تدبير الدولار اللازم للاستيراد منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وحاولت الحكومة تعظيم مواردها من الدولار من خلال طرح شهادات بنكية مرتفعة العائد، كما أتاحت للمصريين بالخارج استيراد السيارات دون رسوم جمركية وضرائب، مقابل وديعة بالدولار، وكذلك طرح أراضي سكنية تسدد قيمتها بالعملة الخضراء، إضافة إلى إعداد برنامج لبيع شركات مملوكة للدولة بالبورصة أو لمستثمرين استراتيجيين.
وأرجع عماد قناوي تأخير الإفراج عن جزء ضئيل من البضائع بالموانئ المصرية إلى المضاربات على الدولار في السوق الموازية التي أدت لارتفاع سعره ليتراوح الدولار بين 32-35 جنيها- وفقا لما يتردد- بعد إصدار مؤسسات أجنبية عالمية تقارير تشير إلى خفض جديد للجنيه أمام الدولار.
وسبق أن تناقلت وسائل إعلام محلية، تقارير لبنوك أجنبية تشير إلى توقعات انخفاض الجنيه أمام الدولار، منها كريدي سويس والذي رجح انخفاض الجنيه إلى مستوى 35 جنيها للدولار، وبنك سوسيتيه جرنال وتوقع وصوله إلى 34 جنيها للدولار.
وفي سياق آخر، قالت داليا السواح، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، إن سوق المال المصري يشهد “حركة تصحيحية” بعد موجة صعود كبيرة بدأت من أغسطس/ آب من العام الماضي حتى نهاية شهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام، وتزامنت هذه الموجة مع إعلان شركات إدراج قوائمها المالية مما انعكس على أداء أسهمها، متوقعة قرب انتهاء “الحركة التصحيحية”، على أن تستعيد نسبة كبيرة من الأسهم عافيتها وتعاود الصعود.
وفقد المؤشر الرئيسي للبورصة 687 نقطة خلال شهر مارس/أذار الحالي، ليغلق عند مستوى 16315 نقطة بنهاية جلسة، الأربعاء، وسط استمرار موجات بيع المستثمرين الأجانب.
وأوضحت السواح، في تصريحات خاصة، أن الحكومة تدرس بيع حصة 10% من الشركة المصرية للاتصالات بالبورصة في إطار خطتها لتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص بالاقتصاد الوطني، وكذلك للمساهمة في توفير الدولار لخفض الفجوة التمويلية التي تواجهها البلاد في الوقت الحالي، ولكن ليس هذا القرار الرئيسي وراء البيع، وإنما تستهدف الدولة تطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة.
وأرسلت الشركة المصرية للاتصالات، بيانا للبورصة، أعلنت فيه أن الدولة شرعت في دراسة مدى جدوى طرح حصة إضافية في رأسمال الشركة، ولم يتعد الأمر أكثر من دراسة تمهيدية مازالت في طور البداية، وأن الأمر مازال بالمراحل الأولية، ولم يتم اتخاذ أية قرارات رسمية بشأنه.
واتفق معها محمد كمال عضو شعبة الأوراق المالية بالاتحاد العام للغرف التجارية، حول تعرض البورصة المصرية لـ”حركة تصحيح” خلال الأيام القليلة الماضية، بعد الصعود القوي الذي شهدته الأسهم خلال الربع الأخير من العام الماضي، بعد تخفيض الجنيه أمام الدولار، واتخاذ قرارات إصلاحية، وصاحب هذه الحركة انخفاض أحجام التداول، وعزوف المؤسسات بمختلف جنسياتها عن بناء مراكز شرائية جديدة.
وحققت البورصة المصرية أفضل أداء خلال عام 2022 بين بورصات الشرق الأوسط، وارتفع مؤشرها الرئيسي بنسبة 22%.
وأضاف كمال، في تصريحات ، أن هناك سببا آخر وراء هبوط البورصة خلال الفترة الحالية وهي تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأمريكي، عن احتمالية اتباع سياسة نقدية أكثر تشددا قد تؤدي لمزيد من رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة، وتتبعها الأسواق الخليجية، وكذلك مصر، في ظل غياب أية معلومات عن تفاصيل بدء برنامج الطروحات الحكومية.
وسبق أن أعلنت الحكومة المصرية، في فبراير/ شباط الماضي، عن قائمة تضم 32 شركة تعتزم بيع طرحها في البورصة أو بيع حصص منها لمستثمرين رئيسيين، يبدأ من الربع الأول من العام الحالي وحتى الربع ذاته عام 2024.
وأشار محمد كمال، إلى تأثير قرار بيع حصة من الشركة المصرية للاتصالات، الذي تسبب في خسائر للسهم خلال الأيام الثلاثة الماضية؛ بعد الإعلان عن زيادة نسبة التداول المطروحة، في إطار خطتها لتطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تتضمن التخارج من بعض القطاعات، وتخفيض مشاركتها في قطاعات أخرى، مع الاحتفاظ بالقطاعات الاستراتيجية، إضافة إلى توفير الدولار من بيع حصة بالمصرية التي تحظى بطلب مرتفع من المستثمرين.
وفقد سهم الشركة المصرية للاتصالات 8% من قيمته السوقية خلال جلستي الاثنين والثلاثاء، مع انتشار أنباء البيع، قبل أن تسترد جزءا من أرباحها بجلسة، الأربعاء، وتصعد بنسبة 4%.