في يوليو/تموز من عام 2019، بعد أشهر قليلة من تخرجه من المدرسة الثانوية، انتحر وايت برامويل البالغ من العمر 18 عامًا. وبعد عام تقريبًا، شخّص باحثون في جامعة “بوسطن” إصابته بالمرحلة الثانية من الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن (CTE) الناجم عن لعب كرة القدم الأمريكية لعدة أعوام.
وقالت والدته كريستي برامويل: “لقد أطلق النار على نفسه في قلبه، وليس في الرأس”.
وأراد ابنها التبرع بدماغه من أجل أبحاث الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، والطريقة الوحيدة لتشخيص المرض تتم عبر تشريح الدماغ.
وفي دماغ وايت، اكتشف الباحثون أول حالة من المرحلة الثانية لمرض الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، تم تشخيصها لدى لاعب كرة قدم في المرحلة الثانوية، وفقًا لما ذكرته مديرة مركز CTE بجامعة “بوسطن”، الدكتورة آن ماكي، والتي قامت بتشخيص وايت.
وعانى المراهق من كانساس سيتي بولاية ميسوري الأمريكية من أسوأ صدمة دماغية على الإطلاق لدى شخص يافع جدًا، وفقًا لمؤسسة “Concussion Legacy Foundation”.
وقالت ماكي إنّ حالة وايت نجمت عن لعب كرة القدم لـ10 أعوام تقريبًا، كانت 4 أعوام منها في المرحلة الثانوية.
وكانت برامويل على دراية بمرض الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، لكنها اعتقدت أنّه يُشخَّص فقط لدى لاعبي كرة القدم المحترفين الأكبر سنًا، ولم تتخيل قط أنّ المرض سيغير حياتها إلى الأبد.
تشخيص الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن
الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن عبارة عن مرض شبيه بالزهايمر، ويرتبط بشكلٍ شائع بلاعبي كرة القدم المحترفين السابقين، ولكن تم تشخصيه أيضًا لدى قدامى المحاربين العسكريين.
وينقسم المرض إلى أربع مراحل، ويتسم من الناحية المرضية بتراكم بروتين “تاو” في الدماغ الذي يمكن أن يعطل المسارات العصبية.
وأفادت ماكي أنّ وايت عانى من عدة آفات ناجمة عن الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، وتكتلات من بروتين “تاو” داخل خلايا عصبية انتشرت في جميع أنحاء دماغه، وأوضحت: “في المرحلة الأولى من الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، عادةً ما تكون هناك آفة أو آفتين فقط من آفات الاعتلال الدماغي المزمن”.
كما أنّها أضافت: “لكن في دماغه، كانت هناك آفات موجودة في مناطق متعددة في القشرة الأمامية، والقشرة الصدغية، وفي ما يسمى الفص الصدغي الأوسط”.
وأشارت ماكي إلى أنّ هذه الأجزاء من الدماغ تلعب دورًا مهمًا في كيفية إدارة ذاكرتنا، وعواطفنا، وحركات الجسم.
إرث وايت
وقال وايت في مقطع فيديو سجله قبل وفاته مباشرة، وأرسله إلى عائلته وأصدقائه: “كانت حياتي على مدى الأعوام الأربعة الماضية بمثابة جحيم حي داخل رأسي”، مضيفًا أنّه عانى من الاكتئاب، وتسارع الأفكار، والبارانويا.
وظهرت قصة وايت، إلى جانب قصص العديد من الرياضيين الآخرين الذين ماتوا في مقتبل العمر، وشُخِّصوا بالاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، لأول مرة في صحيفة “نيويورك تايمز”.
وذكرت برامويل أنّها لم تلاحظ أي تغيرات في شخصية ابنها إلا قبل أشهر قليلة من وفاته، إذ أنّه أصبح أكثر تمردًا، وتحديًا، لكنها عزت الأمر إلى كونه “شابًا يبلغ من العمر 18 عامًا يستعد للالتحاق بالجامعة”.
ولا يعلم والدا وايت على وجه اليقين ما إذا كان قد أجرى بحثًا حول الاعتلال الدماغي المزمن.
ولكن تعتقد والدته أنّه عَلِم بشأن التشخيص، وترى أنّه كان ثابتًا في قراره بإنهاء حياته، مشيرةً إلى أنّه بدا متأكدًا من أنّ هذا المرض كان السبب وراء مشاكل الصحة العقلية التي واجهها.
وقالت برامويل: “كان يعلم ما كان يقوم به في تلك اللحظة”، وأضافت: “أشعر أنّ الأمر جزء من إرثه”.
وأظهرت الدراسات السابقة أنّ الضربات المتكررة على الرأس، حتّى لو لم تتسبب بالإصابة بارتجاج، قد تتسبب بمرض الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن المرتبط بفقدان الذاكرة، والارتباك، ومشاكل في التحكم بالانفعالات، والعدوان، والاكتئاب، وضعف الحكم، والسلوك الانتحاري.