– يعد فقدان الذاكرة شكوى صحية شائعة خاصة لدى كبار السن.
ولكن يقول الدكتور سانجاي غوبتا، وجراح أعصاب وكبير المراسلين الطبيين إنه على عكس معظم أعضاء الجسم الأخرى، فإن أدمغتنا ليست مصممة مسبقاً لتتلاشى، أو تفقد قوتها، أو الأسوأ من ذلك كله، أن تنسى.
ويرى غوبتا أن الذكريات تجعلنا نشعر بأننا على قيد الحياة كما أنها تساعدنا على الشعور بالراحة مع محيطنا، وربط الماضي بالحاضر، وتوفير إطار عمل للمستقبل
وخلال العام الماضي، في غضون أشهر من التعرف على هذا الفيروس كورونا لأول مرة، تم إنشاء اتحاد عالمي من علماء الأبحاث لدراسة العلاقة بين “كوفيد-19” والدماغ.
ومن بين أمور أخرى، يعيد هؤلاء العلماء أيضاً فحص فكرة استفزازية، وهي احتمال أن تزيد بعض أنواع العدوى من خطر التدهور المعرفي وحتى أكثر أشكال الخرف شيوعاَ، أي مرض الزهايمر.
ويشير غوبتا إلى أنه احتمال مخيف يجب أن يحفزنا أيضاً على مضاعفة جهودنا للسيطرة على عوامل الخطر العامة للخرف وجعل أدمغتنا مرنة قدر الإمكان.
والخبر السار هو أن لدينا الأدوات للقيام بذلك.
ولاحظ غوبتا أن الناس يميلون إلى أن يكون لديهم رؤية محدودة لما تستطيع أدمغتهم القيام به مع تقدمهم في العمر، والقوة التي يتمتعون بها لجعل أنفسهم أفضل وأسرع وأكثر لياقة.
وحتى وقت قريب، اعتدنا على الاعتقاد بأن الدماغ مصمم إلى حد كبير بعدد معين من خلايا الدماغ، ومع مرور السنين، تموت الخلايا العصبية، وتخفت الشبكات، وتتأثر وظائف مثل الذاكرة وسرعة الإدراك.
ويبدو أن معظم ما كنا نعتقده عن الدماغ في بداية هذا القرن قد ثبت أنه خاطئ أو غير مكتمل، وأن فقدان الذاكرة وضمور الدماغ ليسا حتميين، وفقاً لما ذكره غوبتا.
ويدرك معظم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 34 و 75 عاماً الأهمية الحيوية لصحة الدماغ ولكن ليس لديهم أي فكرة عن كيفية جعل أدمغتهم أكثر صحة أو يدركون أن ذلك ممكن، وفقاً لما قاله غوبتا.
وأظهرت دراسات لا حصر لها أن الدماغ ببساطة يفضل الجسم المتحرك
ويقترح غوبتا أن مجرد دقيقتين من النشاط كل ساعة يمكن أن يعزز صحة الدماغ أكثر من أي شيء آخر، موضحاً أنه ليس بالضرورة أن يُنظر إلى التمرين على أنه علاج، بل الخمول هو المرض.
وفي حين أننا نتمتع بمعدلات أقل من أمراض القلب والأوعية الدموية وأنواع معينة من السرطان مقارنة بالجيل السابق، فإن الأرقام تسير في الاتجاه الآخر عندما يتعلق الأمر بالضعف المرتبط بالدماغ.
ويوضح غوبتا أنه قريباً سيم تشخيص حالة خَرَف جديدة كل 4 ثوانٍ، وستكون أكثر اضطرابات التنكس العصبي شيوعاً في الولايات المتحدة.
وفي الوقت الحالي، هناك 47 مليون أمريكي لديهم بعض الأدلة على مرض الزهايمر قبل السريري، مما يعني أن أدمغتهم تظهر علامات الخرف ولكنهم يشعرون ويفكرون جيداً، ويشبه غوبتا ذلك بالعاصفة التي تقترب من بعيد، وتستغرق عقودًا قبل أن تتأثر الذاكرة والتفكير والسلوك.
ومع ذلك، يعتقد غوبتا أن هذا الوقت قبل السريري يعد فرضة ذهبية يمكننا خلالها تحسين أدمغتنا بشكل كبير لتحسين وظائفها، وتعزيز شبكاتها العصبية، وتحفيز نمو الخلايا العصبية الجديدة والمساعدة في درء أمراض الدماغ المرتبطة بالعمر.
ويؤكد غوبتا أن الخرف ليس جزءاً طبيعياً من الشيخوخة، ولا يُحكم على كبار السن بالنسيان.
وتختلف التغيرات النموذجية المرتبطة بالعمر في الدماغ عن التغيرات التي يسببها المرض، ويمكن إبطاء الأول وتجنب الأخير، حسبما ذكره غوبتا.
ويضيف غوبتا أنه وفقاً لأفضل الأدلة المتاحة، يمكن إجراء ترقيات كبيرة للدماغ في غضون 12 أسبوعاً فقط. وهناك عادات يجب عليك تطويرها وصنعها بنفسك، بينما تتعلم أيضاً ما يجب تجنبه.
ويستهلك ربع الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً مكملات “تقوية الدماغ”، ولكن بعد عامين من التحقيق، لم يجد غوبتا دليلًا يذكر على أنها تحسن الذاكرة، أو تزيد الانتباه والتركيز، أو تمنع التدهور المعرفي أو الخرف، بغض النظر عن ادعاء الشركات المصنعة.
وأظهرت دراسة كبيرة أجريت عام 2020 بقيادة جامعة هارفارد أيضاً أن المكملات المتعددة الفيتامينات أو المعادن لا تحسن الصحة العامة وأن أي فوائد متصورة “قد تكون كلها في العقل” ما لم تكن تعاني من نقص في عنصر غذائي معين، فإن الفيتامينات لا تحل محل الطعام الحقيقي، بل يمكن أن يكون بعضها ضاراً.
وينصح غوبتا مرضاه أن يتبعوا بروتوكول “SHARP” الغذائي، والذي يتمثل في خفض استهلاك السكر وإبقاء الجسم رطباً، وإضافة المزيد من أحماض أوميغا 3 الدهنية من الأطعمة مثل أسماك المياه الباردة، والمكسرات، والبذور، تقليل جزء والتخطيط للمستقبل.
كما ينصح غوبتا مرضاه بأن ينفقوا أموالهم على أغراض ثبتت أنها تريح أدمغتهم، مثل شراء زوج من الأحذية المريحة للمشي، أو وسادة جديدة لقضاء ليلة نوم هانئة.
وبالنسبة له، يعطي غوبتا الأولوية للنوم بانتظام، إذ يعد النوم التصالحي والتمارين الرياضية هي مضادات للتدهور العقلي، ويصفها بأنها “أدوية لا مثيل لها ولا يمكننا الحصول عليها في أي مكان آخر.
وينظم النوم الذاكرة بينما يضخ النشاط البدني مواد في الدماغ تعمل كسماد في خلايا الدماغ لنموها وبقائها على قيد الحياة، ويتيح لنا ذلك تعلم مهارات جديدة باستمرار واستكشاف هوايات جديدة تحفز وتزيل التوتر وتكافئ، وجميعها تقي من اختلالات الذاكرة.
وتتمثل الإستراتيجية الأفضل، بالإضافة إلى لعب ألعاب محفزة للدماغ مثل التمارين المنطقية، في الانخراط مع الآخرين والعمل على علاقاتك. وهناك اكتشاف حديث في العلوم يتمثل في أن قوة علاقاتنا أكثر أهمية لصحتنا والمدة التي نعيشها بصحة جيدة، مما كان معروفاً سابقاً، حسبما ذكره غوبتا.
وينصح غوبتا أيضاً بأنه بدلاً من قضاء الوقت بشكل سلبي في استخدام شاشة الكمبيوتر لمشاهدة المسلسلات بلا هدف عبر الإنترنت، استخدم هذا الوقت في الدردشات الافتراضية مع الأصدقاء والعائلة.