جملة قيلت في بداية فيلم “المرشحة المثالية” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور. هذه الجملة من وجهة نظري تلخص توجه مجتمع كامل بشأن المرأة ودورها في المجتمع، ونجح الفيلم من خلال شخصية الدكتورة مريم في تقديمها، ليس على مستوى رحلتها الانتخابية، ولكن أيضا في سياق عملها ومنزلها وحياتها الخاصة.
كثيرون تحدثوا عن الفيلم وأبدوا رأيهم فيه، وفي هذه السطور سأتحدث عن جانب محدد قدمه لنا هذا الفيلم، وهو الانتخابات المحلية في السعودية وكيف تبدو خصوصا عندما يتعلق الأمر بسيدة ترشح نفسها.
بالتأكيد، هناك الكثير من التفاصيل غير المنطقية في الفيلم في مرحلة التحضير للانتخابات، ولكن سنتغاضى عنها لأنها قد تكون قد أضيفت لـ”ضرورات سينمائية”، ولكن أعتقد شخصيا أن الدخول في عالم المرأة السعودية، خصوصا التجمعات والحوارات العائلية وغيرها، أمر مهم ويتضمن الكثير من القصص والتفاصيل التي تستحق الحديث عنها.
هذه قصة سيدة تعمل طبيبة في إحدى العيادات في قرية سعودية، تعاني كل يوم عند الوصول إلى العيادة من صعوبة الدخول إليها بسبب الطريق غير المعبدة، فتتقدم (بالصدفة) بأوراق الترشح للمجلس البلدي، علها تتمكن بنفسها من إصلاح هذا الطريق وتعبيده.
ومن خلال مجموعة من المشاهد والتطورات في الفيلم، نكتشف أن الأزمة التي تعاني منها مريم وغيرها من السيدات ليس تعبيد الطريق، ولكن نظرة هذا المجتمع المصغر إلى المرأة بصورة عامة، وإلى مريم وعائلتها بصورة خاصة.
في شخصية مريم تتجمع كل الصفات التي لا يحبذها المجتمع التقليدي في المرأة: فهي ابنة مغنية أعراس، ووالدها لا زال يعمل في الموسيقى، وهي طبيبة، ترشح نفسها في الانتخابات، وقامت بخلع النقاب، وتعالج الرجال، وصفات أخرى يكره المجتمع الذكوري وجودها في المرأة.
الجميل في الفيلم أيضا أنه يطرح قضية دعم المرأة للمرأة، حيث إنها في كثير من الأحيان تعجز عن مساندة سيدة أو فتاة أخرى بسبب هذا الضغط الذكوري عليها. عندما طلبت مريم من بعض السيدات التصويت لها في الانتخابات، قالت لها إحداهن: “أنا ما أصوت”… وقالت أخرى: “أخاف زوجي يذبحني”. هذا أيضا يقدم فكرة مفادها أن المرأة وإن كانت قوية وصلبة، لن تتمكن من الوصول لوحدها.. دائما ستكون بحاجة إلى الدعم.
هذا الدعم رأيناه بكل بساطة عبر مجموعة من الشخصيات، كالأخت وعمر، حفيد المسن الذي رفض اقتراب مريم منه في نهاية الفيلم. هذا الدعم وإن كان بسيطا، يعطي بارقة أمل أن المجتمع يمكن أن يتغير ويصبح أكثر إيجابية تجاه النساء.
أقرب المشاهد إلى قلبي هو المشهد الذي قام عمر فيه بتجميع الرجال في خيمة، لتتحدث إليهم مريم حول برنامجها الانتخابي. هذا المشهد كان مزيجا من التناقضات والاستخفاف بالنساء ودورهن، وإسقاطا على مجتمع كامل لا يعي أن للنساء دورا مهما فيه. وكما قالت مريم في أحد المشاهد: “لم أعد أريد الترشح لأجل تعبيد الطريق، ولكن من أجل تغيير السلوكيات التي تستخف بكوني امرأة”.
تطور شخصية مريم خلال الفيلم برغم أنه كان تطورا متواضعا إلا أن المشاهد يلاحظ الفارق ما بين البداية والنهاية، فهي تبدو مترددة وخائفة وخجولة في البداية، ولكنها في النهاية لم تعد تكترث لأحد فقررت أن تقوم بما تحب.
هناك بعض المشاهد والأحداث التي كانت مصدر تساؤل بالنسبة لي، كعلاقة الأب ببناته، إذ ظهرت باردة جدا، وعندما يتحدث إلى بناته فكأنه يكون في عالم آخر.
أحب التفاصيل في هذا الفيلم، هذه التفاصيل التي نجدها إن ركزنا قليلا في الحوارات، فأعتقد أن النص مكتوب بطريقة بارعة جدا، كأن تقول مريم أن ترشيحها يجب أن يهم الكل وليس فقط النساء، وأنها لن تتقدم بطلب للوظائف في الرياض لأنها تشعر بالانتماء إلى هذا المكان أكثر.
النهاية كانت موفقة، فهي لم تكن النهاية السعيدة بمعناها السطحي (أي فوز مريم في الانتخابات)، ولكنها على الأقل أحدثت التغيير الذي ترغب فيه، وهو تغيير فكر المواطنين ونظرتهم تجاه المرأة، وهو ما ظهر جليا وواضحا في بصمة الرجل المسن (من المشهد الأول في الحبر، وتأكيده بأنه صوت لمريم في الانتخابات).
يبقى الأداء التمثيلي في هذا الفيلم هو الحلقة الأضعف، والذي أعتقد أنه مشترك ما بين كثير من الأعمال السعودية السينمائية والتلفزيونية التي شاهدناها مؤخرا، فبالتالي يجب أن يترافق الإبداع في القصة والإخراج بتدريبات مكثفة لوجوه وممثلين يؤدون أدوارهم بشكل أكثر براعة.
يبقى “وجدة” هو فيلمي المفضل لهيفاء المنصور، ولكن لا أنكر أن هذا الفيلم أيضا حاز على الاهتمام الواسع، وحفر لهيفاء المنصور مكانا أوسع وأكثر عمقا على خارطة السينما السعودية، وسنكون بانتظار أعمالها القادمة قريبا.