في العاصمة الفرنسية باريس، تقع حانة “Le Pinardier” في شارع “Rue Bretagne” الشهير والمعروف بأنه أحد أفضل شوارع الحانات في المدينة، وهو دائم الازدحام خلال أمسيات الصيف.
وتعد هذه التجربة الفرنسية جوهرية في البلاد، حيث يحتسي الأشخاص مشروب النبيذ ويتناولون الجبن واللحوم المدخنة.
مع ذلك هذه التجربة لم تكن ممكنة إلا بسبب واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في البلاد في الوقت الحالي، أي الهجرة.
ويُنهي الشيف سازال ساها، الذي يبلغ من العمر 24 عامًا. العمل بسرعة على طلبات الطعام بالشرفة المشمسة الخاصة بحانة “Le Pinardier”.
وينحدر ساها في الأصل من مدينة كوهلنا في بنغلاديش، وهذه سنته الخامسة في “Le Pinardier”، بعد أن تدرّب في مجال تقديم الطعام لمدة عامين في مدرسة “Joliet-Curie” في شمال فرنسا.
عادةً، يكون ساها الشخص الوحيد الذي يعمل في المطبخ، ما يعني أنه يفعل كل شيء، بدءًا من شراء المنتجات، وإعداد المكونات، والطهي، إلى غسل الأطباق، والتنظيف.
قال ساها إن “إدارة المطبخ ليست سهلة عندما تعمل بمفردك”، مضيفًا: “الأمر معقد للغاية، أحيانا أشعر بالتعب، لكنني معتاد على ذلك”.
وأشار إلى أنه عندما انتقل إلى فرنسا لأول مرة، لم يكن يعرف شيئا عن الجبن، لكنه أصبح يعرف كل شيء عنه تقريبًا الآن.
في جميع أنحاء فرنسا، وخاصة في باريس، تُعد الضيافة إحدى الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على العمال المهاجرين.
وقال وزير العمل الفرنسي آنذاك أوليفييه دوسوبت لإذاعة Europe 1 في مطلع عام 2024، إن نحو 25% من الطهاة في فرنسا هم من المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي.
في العاصمة الفرنسية، يُعد نصف عدد الطهاة، الذي يزيد عن 86 ألفًا، من المهاجرين، وفقًا للبيانات التي نشرها المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الإحصائية والاقتصادية في عام 2022.
ويُعتبر هؤلاء بمثابة القوة الرئيسية التي تدعم مشهد تذوق الطعام في باريس، حيث يقومون بإطعام وإسعاد السياح من جميع أنحاء العالم.
وقال فلوريان موسون، صاحب حانة “Le Pinardier” إن “غالبية الأشخاص الذين يعملون بالمطابخ (في باريس) هم إما من بنجلاديش أو سريلانكا”.
وقد ولد موسون ونشأ في عائلة تتكونّ من أجيال عديدة من أصحاب المطاعم في مدينة مرسيليا الجنوبية، ويعتقد أن عمله لن يستمر بلا العمال المهاجرين.
وفي باريس، غالبية عمال المطبخ مثل ساها هم في الأصل من جنوب آسيا، . وفي مرسيليا، أي مسقط رأس موسون، والعديد من الأماكن في جنوب فرنسا، تعتمد المطاعم والحانات على المهاجرين من جزر القمر، وهي مستعمرة فرنسية سابقة واقعة في المحيط الهندي.
وقال موسون إن “مهمة الطهي صعبة. أنت تعمل واقفًا، وتعمل في المساء وخلال عطلات نهاية الأسبوع، وتعمل لساعات طويلة، ويكون الجو حارًا جدًا في المطبخ. وفي كثير من الأحيان، تكون المطابخ في باريس صغيرة، لذا فهي مهمة شاقة للغاية”.
وأضاف: “هناك عدد أقل من الفرنسيين الذين لديهم استعداد للقيام بهذه المهمة”.
وقد قام موسون بتعيين ساها بعد وقت قصير من افتتاح “Le Pinardier” في عام 2019.، إذ أكدّ أن ساها ليس طباخًا ماهرًا فحسب، بل إنه عامل مجتهد، والأهم من ذلك، أن لديه روح العمل الجماعي.
وقد يجادل البعض بأن أصحاب المطاعم يفضلون توظيف المهاجرين لأن تكلفتهم أقل، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لموسون، الذي أشار إلى أنه يتلقى سيرة ذاتية واحدة من فرنسي مقابل 10 سير ذاتية من جنسيات أخرى.
وبالنسبة إلى ساها، فهو يحب باريس، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، سمح له الطبخ للباريسيين والسياح بشراء شقة في إحدى الضواحي وكسب لقمة العيش في العاصمة الفرنسية. ولكن الاحتمال الذي يلوح في الأفق الآن لوصول اليمين المتطرف إلى السلطة يبقيه مستيقظا في الليل.
وقال: “أنا قلق قليلا. أعتقد أن قرارهم غير صحيح”، في إشارة إلى سياسات الهجرة والخطاب الذي شاهده على شاشة التلفاز في نهاية الأسبوع السابق.
وقد حصل حزب التجمّع الوطني على نسبة قياسية بلغت 33.15% من الأصوات، متصدرا السباق عقب الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية في 30 حزيران/يونيو الماضي، بحسب بيانات نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية.
ويدعو حزب التجمّع الوطني، الذي يسير وفق أجندة “فرنسا أولا”، إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على الهجرة، سواء القانونية أو غير القانونية. كما يريد منح المواطنين الفرنسيين معاملة تفضيلية في نظام الرعاية الاجتماعية.
وقال ساها: “نحن هنا، لا نقوم بأي أمور سيئة، نحن نعمل، وندفع الضرائب مثل جميع الفرنسيين”، متسائلًا: “لماذا يتخذون قرارات صعبة للغاية بشأن الهجرة؟ لا أفهم”.