رأي.. عمر حرقوص يكتب: وداعاً قصة “الحرة”

كانت 7 أعوام مليئة بالأخبار المتواصلة والثورات والحروب والتظاهرات والانفجارات، ومواضيع فرضت نقاشات صعبة واختلافات ضمن غرفة الأخبار الواحدة باختلاف منابت العاملين فيها، وتنازلات قدمناها أحيانا لأجل أن يكون الخبر كما هو محايداً وموضوعياً، ومنحازاً بالتأكيد للقتلى واللاجئين والمهاجرين من وصلوا منهم، أو الغارقين في البحر والمخطوفين والرهائن والمعتقلين والنساء والأطفال، كذلك الأقليات كل الأقليات في منطقتنا بدون استثناء.

من تأسيس “قسم الأخبار” في مكتب دبي ووضع أسس كتابة الخبر والتقرير وشكل الصورة كقناة قررت إحدى إداراتها إعادة الانطلاق عام 2018، إلى البحث عن الحقيقة في سباق مع الأقنية ومحطات التلفزة لإيصال الصورة والمعلومة بدءاً من العواجل وتطوير “القصة” إلى انتظار ردود فعل الناس على الأرض وفي وسائل التواصل.

كنت هناك خلال 7 أعوام مرت فيها تغيرات إدارية مرتبطة بالتغيرات السياسية في واشنطن، بعضها كان حراً بالكامل وبعضها أحياناً يطالب بالانحناء أمام عواصف عاتية أو الصمود لأقصى قدر، لكن كل الظروف لم تمنع إعلان الموقف نفسه المدافع عن الحقيقة كما هي.

كانت التهديدات التي يتعرض لها زملاؤنا على الأرض تفرض علينا أحياناً أن نتعاطى بحذر مع ملفات محددة، أو نفتش فيها عن زوايا يمكن منها العبور إلى الحقيقة، في العراق كنا نلاحق قصص هشام الهاشمي وثوار تشرين حين يقتلهم رصاص راكب دراجة نارية أو قناص يختبئ في مبنى، وفي بيروت كنا مع قتلى انفجار المرفأ وقبلهم ثوار تشرين ورافقنا لقمان سليم لنرى كيف تضيع قضيته في بلدان العدالة المفقودة بعدما قتلته رصاصات الغدر، كما كنا مع المتظاهرين في السودان حين هاجمهم “العسكر” أمام مقر القيادة فقتلوا منهم المئات وأخفيت جثثهم، نحمل قصتهم ونحكي عنهم كما نحكي عن مهسا أميني والمتظاهرين في إيران الذين ذبحوا بينما العالم يتفرج.

كانت الحرة تلاحق الملفات الممنوعة عن النقاش عربياً كل الملفات، تحكي بحرية عن الأيزيديين والبهائيين، وتروي قصص السوريين الذين قتلهم نظام الأسد وسلسلة حلفائه، وبعدهم أهل الساحل الذين قتلهم “أبو دجانة” وسلسلة حلفائه أيضاً، كنا مع أهالي غزة منذ اليوم الأسود المشؤوم في السابع من أكتوبر واستمرينا معهم في جهنم التي يعيشونها، وكيف يموتون بعدما قُتل مئات الإسرائيليين وعاث القتل بحياتهم واختطفوا وعاشت عائلاتهم تحت الرعب وانتظرت عودتهم، نربط قصص الناس هنا وهناك كأنهم بيت واحد، لأنهم بيت واحد، نتابع وجعهم لنحلم بوقف الحرب وحلول السلام في المنطقة التي لن ينجو منها أحد بسيطرة المتطرفين على جهتي القتال، قلنا الحقيقة عن كل ما يحصل بمعيار وحيد “ضد السلاح كل السلاح” ومع السلام لأجل الغد الذي سيعيشه أولادنا.

عشنا مع “الحرة” ملفات كثيرة لا تنتهي وستستمر إلى أن يأتي زمن العدالة والحرية وهو حلم أيضاً صعب التحقيق ولا أعرف إن كان سيجد مكانه بيننا في يوم ما.

لكن “الحرة” انتهت، أقفلت الباب بعد 21 عاماً على تأسيسها، صارت من الماضي المستمر في منطقتنا، ولم تستطع الصمود أمام قبضة ترامب القاضية، التي تصنع عالماً جديداً لا نعرفه اليوم لكننا نشهد على نشوئه.

عن sherin

شاهد أيضاً

تجدد الجدل حول هجرة الأطباء من مصر.. والنقابة: 50% يعملون بالخارج

تجدّد الجدل حول هجرة أعداد كبيرة من الأطباء المصريين للخارج، بسبب انخفاض الأجور مقارنة بدول …