تُوجد علامات عصر النهضة في كل مكان في إيطاليا، بدءاً من ساحاتها الكبيرة وأبوابها المعدنية إلى فنونها في الكنائس وصالات العرض.
ولكن، هناك مدينة واحدة تجعلك تشعر بعصر النهضة في كل مرة تدخل فيها إلى مطاعمها.
وتقع مدينة فيرارا في المنطقة الشمالية من إيميليا روماجنا، وهي كانت في يوم من الأيام موطناً لأسرة إستي، التي حكمت المدينة من القرن الثالث عشر إلى القرن الثامن عشر.
وووظفت الأسرة الكاتبين بوياردو وأريوستو وتوركواتو تاسو. وعمل أيضاً فنانين مثل بيليني ومانتيجنا وبييرو ديلا فرانشيسكا لصالح أسرة إستي في قلعتهم المحاطة بخندق مائي في وسط المدينة.
وصمدت أعمال هؤلاء الفنانين عبر القرون، وكذلك أعمال كريستوفورو دي ميسيسبوجو، وهو خبير الاحتفالات والاستضافة لدى أسرة إستي.
ويعد ميسيسبوجو واحداً من اثنين من أشهر الطهاة في عصر النهضة. وكان بارعاً بدوره في إقامة مآدب الطعام التي تبهر رؤساء الولايات، بالإضافة إلى كتابته أحد أقدم كتب الطبخ في العالم، الذي يشمل 300 وصفة مختلفة.
ونُشر كتابه “Banchetti، composizioni di vivande e Apparecchio generale”، أي “المآدب والوصفات وترتيب المائدة”، في عام 1549، بعد عام من وفاته.
وبعد حوالي 5 قرون، لا تزال مدينة فيرارا تتناول وجبات أسرة إستي المفضلة.
نعم! هذه الأطباق حقيقية
ومن بين أشهر الأطباق التي تتميز بها هذه المدينة هي “pasticcio”، وهي عبارة عن معكرونة بالجبن، ولحم راغو، وصلصلة البشاميل.
وتتميز المدينة أيضاً بأطباق “salama da sugo”، وهو نوع قديم من النقانق والبطاطا المهروسة، و”كابلاتشي دي زوكا”، والمعكرونة المحشوة بالقرع.
وتعود جميع هذه الأطعمة إلى عصر النهضة.
وفي الواقع، قيل أن طبق “salama da sugo” هو المفضل لدى لوكريسيا بورجيا، التي جاءت إلى مدينة فيرارا في عام 1502 بعد زواجها من الدوق، ألفونسو ديستي.
ويذكر أن شعرها الأشقر المجعد كان بمثابة مصدر إلهام لأطعمة أخرى مشهورة في فيرارا، وهي تعرف باسم “الكوبيا”.
ولطالما قام الناس بزيارة فيرارا لتناول الطعام.
وتقول الدكتورة فيديريكا كانيبارو، وهي مؤرخة بجامعة شيكاغو المتخصصة في ثقافة عصر النهضة الإيطالية: “بالتأكيد، أقامت المدن الأخرى مآدب طعام، لكن فيرارا كانت معروفة بها بشكل خاص”.
وأضافت: “كان الطعام والمآدب بمثابة استعراض للقوة أمام الضيوف، وبعضهم من السفراء”.
وكانت مآدب فيرارا مشهورة جداً إلى درجة أن الشاعر لودوفيكو أريوستو قد أدرج وصفاً لأحدها في عمله الملحمي “أورلاندو فوريوسو”، على حد قول كانيبارو.
المعكرونة بالجبن مع مذاق حلو
وفي مطعم “Ca ‘d’Frara” الحديث، يجلس الضيوف على كراسيهم لتناول هذه الأطباق التي تعود بك إلى قرون طويلة.
وتقول الشيف إيليا بنفينوتي: “غالباً ما تجد هذا المزيج اللذيذ الحلو في مطبخ أسرة إستي، إنه فريد من نوعه”.
ويعد هذا الطبق الخاص عبارة عن مزيج مثير للفضول من المعكرونة واللحمة والجبن، تجده ملفوفاً في قشر البسكويت ذات المذاق الحلو.
وعلى بعد بضع دقائق سيراً على الأقدام ، ينتقل السكان المحليون إلى مطعم “Ristorante Raccano”، في دير يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر.
ويزور الناس عادة هذا المطعم لتجربة لحومه المطبوخة داخل فرن “Josper” من القرن الـ21، والذي تصفه المالكة لورا كافيتشيو بكونه “أحد أكثر آلات الشواء تقدماً من الناحية الفنية”.
وعادة ما يأتي آخرون لتناول طبق “salama da sugo”.
ويُعد هذا الطبق مصنوعاً من قطع مختلفة من الخنزير، بما في ذلك الرقبة، والبطن، والكبد، واللسان، كما تضاف إليه التوابل مثل القرنقل، والقرفة، والنبيذ الأحمر، وتوابل مدينة فيرارا، وجوزة الطيب.
وبالتالي، يتم وضعه في غلاف لحم الخنزير لمدة عام تقريباً، ويتم نقعه في الماء لمدة 3 أيام حتى يصبح أكثر ليونة، ثم يتم غليه لمدة تصل إلى 10 ساعات.
وكما هو الحال في أي مكان في إيطاليا، تعتبر المطاعم وتراث الطعام أمراً مهماً للسكان المحليين.
وإذا تحدثت إلى أي شخص في فيرارا، سيحدثك حتماً عن فخرهم بتراثهم الغذائي.
ورغم أن الإيطاليين يزورون المدينة لتناول “كابلاتشي”، و”باستيكيو”، و”سلامة دا سوجو” وغيرها، إلا الأطباق لم تغزو بقية البلاد مثل البيتزا والتورتيليني.
ويقول جيوفاني ماتوتشي: “فيرارا جميلة بسبب أسرة إستي، والأمر نفسه بالنسبة لأطباقهم.. يأتي الناس إلى فيرارا من أجل هذا الأمر، وعلينا حمايته”.