خلال الخمسين عامًا الماضية، يبدو أنّ عدد الحيوانات المنوية البشرية قد تراجع بنسبة تفوق 50٪ في جميع أنحاء العالم، وفقًا لمراجعة محدّثة للأدبيات الطبية.
في حال تم تأكيد النتائج واستمر التراجع، قد يكون لذلك آثار مهمة على التكاثر البشري. ورأى الباحثون إن ذلك قد ينذر أيضًا بتدهور صحة الرجال عمومًا، ذلك أنّ جودة السائل المنوي قد تكون مؤشرًا هامًا على الصحة العامة.
وأثارت المراجعة واستنتاجاتها جدلاً بين خبراء خصوبة الرجال. يقول البعض إن النتائج حقيقية وملّحة، لكنّ البعض الآخر يقول إنهم غير مقتنعين بالبيانات لأنّ طرق حساب الحيوانات المنوية قد تغيرت كثيرًا بمرور الزمن، بحيث لا يمكن مقارنة الأرقام التاريخية مع تلك الحديثة.
وتوافق معظم الخبراء على أنّ هذه المسألة يلزمها إجراء مزيد من الدراسة.
وقال الدكتور مايكل أيزنبرغ، اختصاصي المسالك البولية في ستانفورد ميديسن، غير المشارك في البحث: “أعتقد أنّ التكاثر هو إحدى الوظائف الأساسية لأي نوع. لذلك برأيي إذا كان هناك إشارة إلى تراجع بالتكاثر، أعتقد أنّ هذا اكتشاف مهم للغاية”.
وتابع أنّ “ثمة صلة قوية بين الصحة الإنجابية للرجل وصحته العامة. لذلك يمكن أن يؤشر ذلك على أنّنا لا نتمتّع بصحة جيدة كما في السابق”.
واعتقد خبراء آخرون أنه رغم أنّ المراجعة جيدة، إلا أنهم يشكّكون باستنتاجاتها.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور ألكسندر باستوزاك، الجرّاح والأستاذ المساعد بكلية الطب في جامعة يوتا بمدينة سولت ليك سيتي، غير المشارك في البحث، أنّ “طريقة تحليل السائل المنوي قد تغيّرت على مدى عقود. لقد تحسّنت. وباتت أكثر معيارية، ولو أنها غير مثالية”.
وأضاف أنه “حتى لو أخذت عينة من السائل المنوي نفسها وقمت بتشغيلها، ثم أخضعتها لتحليل السائل المنوي في الستينيات والسبعينيات مقارنة مع اليوم، فستحصل على إجابتين مختلفتين”.
ولفت باستوكزاك إنه في عدد من الدراسات المعاصرة لتحليل السائل المنوي، تلك التي اعتمدت على عيّنات تم تحليلها بطريقة مختلفة، “لا نرى هذه الاتجاهات”. في الواقع، تشير بعض الدراسات في مناطق شمال أوروبا إلى أن عدد الحيوانات المنوية إلى ارتفاع ولا تسجل تراجعًا بمرور الوقت، على حد قوله.
المراجعة المحدّثة تضيف بيانات عدد من الدول
يُحدِّث التحليل الجديد مراجعة نُشرت عام 2017، ويتضمن لأول مرة بيانات جديدة أخذت من أمريكا الوسطى والجنوبية وآسيا وأفريقيا. ونشرت في مجلة Human Reproduction Update.
وقام فريق دولي من الباحثين بالبحث في قرابة 3 آلاف دراسة سجلت عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال، نُشرت بين عامي 2014 و2020، وهي سنوات لم يتم تضمينها تحليلهم السابق.
واستبعد الباحثون الدراسات التي شملت الرجال الذين تم تشخيصهم بالعقم فقط، وتلك التي تناولت رجال لديهم عدد طبيعي من الحيوانات المنوية فقط، وتلك التي اختارت المشاركين في الدراسة بناءً على تشوهات أو أمراض في الأعضاء التناسلية.
وشملت الدراسات المنشورة باللغة الإنجليزية فقط، تلك التي تضم 10 رجال أو أكثر، وأولئك الذين تم جمع الحيوانات المنوية لديهم بالطريقة النموذجية، وتم عدّهم باستخدام جهاز يسمى مقياس الكريات.
في النهاية، استوفت 38 دراسة فقط المعايير المطلوبة. وأضافها الباحثون إلى الدراسات المشمولة في مراجعتهم السابقة واستخرجوا بياناتهم، التي تم إدخالها في النماذج.
في المجمل، قرّر الباحثون أنّ عدد الحيوانات المنوية انخفض بشكل مرئي أكثر من 1٪ سنويًا بين عامي 1973 و2018. وخلصت الدراسة إلى أن متوسط عدد الحيوانات المنوية على مستوى العالم قد انخفض بنسبة 52٪ بحلول عام 2018.
وقال مؤلف الدراسة الدكتور هاغاي ليفين، عالم الأوبئة وباحث الصحة العامة في كلية براون للصحة العامة وطب المجتمع: “من اللافت حقًا أنّ التراجع يتزايد بالفعل”.
على مستوى السكان، انخفض متوسط عدد الحيوانات المنوية من 104 ملايين إلى 49 مليون لكل مليلتر بين عامي 1973 و2019. ويُعتقد أنّ عدد الحيوانات المنوية الطبيعي يزيد عن 40 مليون لكل مليلتر.
أسباب التراجع غير معروفة
ورأى مؤلفو الدراسة إنهم لا يملكون بيانات كافية من مناطق مختلفة كي يتمكنوا من معرفة إذا كان متوسط عدد الحيوانات المنوية في بعض الدول أقل من غيرها، أو إذا كان عدد الحيوانات المنوية يتراجع بشكل أسرع في مناطق معينة. وضمّن البحث معطيات من 53 دولة.
لم يبحث المؤلفون بأسباب التراجع. وقال ليفين: “يجب أن تتم دراستها”.
وأشار ليفين إلى أنّه في بحث آخر، اكتشف مع آخرين بعض العوامل المرتبطة بانخفاض عدد الحيوانات المنوية.
قد يبدأ الضرر بالصحة الإنجابية بالرحم.
وأوضح ليفين: “نحن نعلم أنّ الإجهاد الذي تتعرض له الأم، والتدخين خلال الحمل وخصوصًا التعرض للمواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان الموجودة في البلاستيك، مثل الفثالات، تعطل نمو الجهاز التناسلي الذكري”.
كما أنّ نمط الحياة يلعب دورًا مهمًا أيضًا. ولفت إلى أنّ السمنة، وقلة النشاط البدني، والوجبات الغذائية الغنية بالأطعمة فائقة المعالجة قد تساهم بذلك.
وأوضح أنّ ” العوامل عينها التي تضرّ بالصحة عمومًا، تضرّ أيضا بجودة السائل المنوي”.
وقال أحد الخبراء إنّ محاولة إجراء هذا النوع من الدراسة، في نهاية المطاف، محفوف بالمشاكل التي ستعقد النتائج.
وقال الدكتور سكوت لوندي، اختصاصي المسالك البولية في كليفلاند كلينك، غير المشارك في البحث إنّ “الورقة قوية للغاية علميًا وإحصائيًا، وتقوم بعمل جيد في تلخيص البيانات المتوفرة في مجالنا، لكن من المهم أن ندرك أن هذه البيانات لا تزال محدودة للغاية في كيفية جمعها وكيفية الإبلاغ عنها”.
وتابع لوندي إن معايير وطرق حساب الحيوانات المنوية قد تغيرت بشكل كبير بمرور الزمن، ما يصعّب مقارنة التعدادات الحديثة مع البيانات التاريخية.
ورغم ذلك، فبرأيه أنّ البيانات التاريخية هي كل ما هو متاح.
وخلص لوندي إلى أنّه “رغم ذلك فإنّ هذه النتائج لا تشكل سببًا للذعر، لأن التعداد لا يزال طبيعيًا إلى حد كبير، كمعدل وسطي، لكن ثمة خطر من أن يصبح غير طبيعي في المستقبل، وعلينا أن نعرف ذلك وندرسه بشكل أكبر”.