أنظمة الشرق الأوسط لها تاريخ في قطع الإنترنت.. لكن هناك كلفة

غالبًا ما تقوم أنظمة الحكم الاستبدادية في الشرق الأوسط بقطع الإنترنت حين تشعر بالتهديد من قبل شعوبها.

ربما ظهر هذا بشكل أفضل خلال ثورات الربيع العربي في عام 2011، والتي كانت التحدي الأكبر لحكام المنطقة في التاريخ الحديث. قيدت حكومات ليبيا ومصر وسوريا والبحرين بشدة الوصول إلى الإنترنت في ذلك الوقت.

تستمر هذه الممارسة منذ ذلك الحين، فقد فرض كل من العراق والجزائر قيودًا على الوصول إلى الإنترنت لمنع الغش أثناء الامتحانات، وقطعت إيران الإنترنت مؤخرًا بظل موجة احتجاجات حاشدة العام الماضي.

لكن هذا التشويش لا يخلو من التكاليف. وقد ابتكرت إحدى الجمعيات طريقة لحساب تلك التكلفة.

أطلقت “جمعية الإنترنت”، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة وتدافع عن الوصول العالمي إلى الإنترنت، الأسبوع الماضي، أداة جديدة تسمى NetLoss، والتي تحسب الضرر الاقتصادي لحالات قطع الإنترنت التي تفرضها الحكومات.

وجدت المنظمة بعد تتبع عمليات قطع الإنترنت العالمية في عام 2022، أن بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد شددت القيود على الوصول إلى الإنترنت بمرور الوقت.

وفقًا لجمعية الإنترنت شهدت المنطقة 37 انقطاعا في 11 دولة في عام 2022، بزيادة قدرها 62٪ عن عام 2021. ومن بين عمليات القطع الإقليمية، استهدفت 24.3٪ منصات الرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي.

وفقًا لجمعية الإنترنت يُقدر أن قطع الإنترنت الذي حدث في السودان في الفترة من 19 إلى 24 أبريل، حيث اندلع صراع عنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل، قد كلف البلاد أكثر من 3 ملايين دولار.

الناتج المحلي الإجمالي للسودان أقل بقليل من 52 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي. وقالت جمعية الإنترنت إن القطع الذي دام أسبوعًا قد كلف البلاد 560 وظيفة.

قال مارك أوين جونز، أستاذ مساعد في جامعة حمد بن خليفة في قطر ومتخصص في المعلومات الرقمية المضللة إن “قطع الإنترنت له تأثير ضار على الاقتصاد”، مضيفًا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تسير على ما يرام على هذا الصعيد.

تشير التقديرات إلى أن عمليات قطع الإنترنت قد كلفت العالم مليارات الدولارات العام الماضي، وفقًا لمجموعة Top10VPN، وهي مجموعة أبحاث للخصوصية الرقمية.

وفقًا لـ Top10VPN، شهد العالم في عام 2022 وحده 114 قطعًا للإنترنت من قبل الحكومات في 23 دولة، بتكلفة خسائر أكثر من 24.7 مليار دولار. وفقًا للمجموعة، كان هناك ما لا يقل عن 81 قطعًا في 14 دولة هذا العام، بتكلفة تقارب 2 مليار دولار.

قال جونز إن قطع الإنترنت في الشرق الأوسط مرتبط بالأنظمة الاستبدادية، لا سيما أثناء الاضطرابات الاجتماعية أو الصراع. وأضاف : “إنها بالتأكيد واحدة من أسوأ المناطق بالنسبة لقطع الإنترنت”.

تشير التقديرات وفقًا لحساب جمعية الإنترنت إلى أن قطع الإنترنت لمدة قياسية في إيران بين 16 و23 نوفمبر من عام 2019 قد كلف البلاد أكثر من 33 مليون دولار من الخسائر الاقتصادية.

من أجل حساب التكلفة، تأخذ المجموعة في الاعتبار متغيرات مثل حجم الاقتصاد ومدى اعتماد الدولة على التكنولوجيا، حسب قول حنا قريطم، كبير مستشاري جمعية الإنترنت الذي أشار إلى أن كل دولة ستشهد درجات مختلفة من الخسارة.

الإنترنت كـ”امتياز”

قال قريطم إن الإنترنت أصبح حيويًا للاقتصاد، وذلك من خلال خدمات النقل وتوصيل الطعام إلى المعاملات المصرفية والتجارة.

وأضاف أنه في حين أن القيم مجرد تقديرات ولا تعكس بالضرورة البيانات في الوقت الصحيح، إلا أنها تهدف إلى إظهار أن قطع الإنترنت ليس نهجًا مجانيًا تحت تصرف الحكومات.

قال قريطم إن الأداة تهدف إلى “السماح لواضعي السياسات بتقييم بعض تأثيرات قراراتهم فيما يتعلق بالوصول إلى الإنترنت”.

على سبيل المثال، إذا قامت المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في العالم العربي، بفرض قطع للإنترنت لمدة 24 ساعة، فسيكلف ذلك ما يقرب من 12 مليون دولار، وفقًا لـ NetLoss. كما ستخسر المملكة 1.83 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية و38 وظيفة.

سيكلف قطع الإنترنت بالكامل في الإمارات العربية المتحدة، المركز المالي والتجاري والسياحي في المنطقة، 4.77 مليون دولار كخسارة اقتصادية في اليوم وحوالي 2 مليون دولار على شكل استثمار أجنبي.

وفقًا لجمعية الإنترنت، لم يفرض أي من البلدين قطعًا كاملًا للإنترنت، كما أن خطر إيقاف التشغيل في البلدين أقل من 10٪.

كانت الهند الدولة التي شهدت أكبر عدد من عمليات القطع التي فرضتها الحكومة في عام 2022، مع 84 قطعًا العام الماضي، تليها أوكرانيا وإيران، وفقًا لتقرير صادر عن Access Now، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن الحقوق المدنية الرقمية. ذكر التقرير أن القوات العسكرية الروسية تسببت في قطع الإنترنت في أوكرانيا.

يقول قريطم إنه في حين أن هناك دفع من قبل الحكومات، بما في ذلك في الشرق الأوسط، نحو التحول الرقمي كوسيلة للنمو الاقتصادي، لا يزال هناك تصور بأن الإنترنت هو من الامتيازات وليس من الحقوق.

قال قريطم: “الحكومات بحاجة إلى أن تقرر، هل يريدون بناء الثقة في البنية التحتية للإنترنت الخاصة بهم؟ أو يريدون استخدام هذه الأداة (قطع الإنترنت)، والتي أثبتت مع مرور الوقت عدم فعاليتها كما يعتقدون، في قمع احتجاج أو معالجة الغش في الامتحان”.

يقول جونز إن دول الشرق الأوسط بشكل عام تنظر إلى الخدمات الاجتماعية على أنها “يتم توفيرها في كثير من الأحيان من قبل السلطة بهدف النفع”.

وأضاف: “لكنهم في الوقت نفسه، على دراية بالتكاليف الاقتصادية لقطع الإنترنت”، مشيرًا إلى أنه في حين أنهم يفضلون عدم قطع الإنترنت، إلا إن الأمن أمر بالغ الأهمية بالنسبة لهذه الأنظمة، ويُعتقد أن عمليات القطع مفيدة.

قال جونز: “أعتقد أن التكلفة الاقتصادية هي عامل ردع، لكنني لا أعتقد أن الرادع يتفوق على التصور القائل إن قطع الإنترنت أمر حيوي للأمن”.

عن sherin

شاهد أيضاً

من “بطل منتصر” إلى سلسلة من النتائج السيئة.. إليك كيف انحدر مانشستر سيتي

 قبل 7 أشهر، لم تظهر أي علامات على تراجع هيمنة مانشستر سيتي، فقد كان لاعبو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *