على مدار تاريخها الطويل، حصلت طائرة “بوينغ 737” على ألقاب أكثر من أي طائرة تجارية أخرى، ومن بينها “بيبي بوينغ”، و”تين ماوس”، بالإضافة إلى ألقاب أقل جاذبية ، مثل “فريدي السمين”، و”خنفساء الروث”.
ولكن ليست أي منها أسوأ سمعة من “ماكس”، وهو الاسم الذي أعطته “بوينغ” لأحدث تجسيد لطائرات “737”، فهو أصبح الآن مرادفاً للكوارث، إلى جانب إحدى أسوأ أخطاء الشركات في التاريخ.
آلة “لكسب الأرباح”
وطُرحت أول طائرة من طراز “737” في 17 يناير/كانون الثاني من عام 1967، وحلقت في السماء لأول مرة بعد ثلاثة أشهر.
ويقول مؤرخ الطيران ومؤلف كتاب “بوينغ 737- الطائرة التجارية الأكثر إثارة للجدل في العالم”، جراهام سيمونز إنه “في الأيام الأولى، كانت 737 طائرة قوية جداً وموثوقة للغاية”.
ومقارنةً بطائرتي “بوينغ” السابقتين، وهما من طراز “707” و”727″، كانت طائرة “737” أصغر حجماً واقتصادية بشكل أكبر.
وتماماً مثل الطائرات الأخرى للشركة،وضع مصممو “بوينغ” محركات طائرة “737” تحت الجناح، على غرار منافسيها الرئيسيين آنذاك، وأدى إلى تقليل الضوضاء والاهتزاز، كما أنه جعل الصيانة أسهل لإمكانية الوصول إليها بدون سلم.
وإلى جانب تلك المميزات، كانت للطائرة ستة مقاعد في كل صف مقارنةً بخمسة مقاعد فقط لدى منافسيها، ما يعني تمكنها من حمل المزيد من الركاب.
وقال سيمونز: “لقد أصبحت آلة جيدة جداً لكسب الأرباح”.
أول أزمة تتعلق بالسلامة
واليوم، تُعد شركة “ساوث ويست” أكبر مشغل لطائرات “737” حول العالم، بـ732 طائرة، وهي لا تشغل أي طائرة أخرى.
في أوائل التسعينيات، مر طراز “737” بأزمة تتعلق بالسلامة نتيجة حادثين مميتين.
وفي عام 1991، تحطمت طائرة تابعة لشركة “يونايتد” عند هبوطها في كولورادو سبرينغز، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً. وفي عام 1994، تحطمت طائرة تابعة للخطوط “USAir” الجوية بالقرب من بيتسبرغ، وأسفر ذلك عن مقتل 132 شخصا.
وفي كلا الحادثين، بدأت الدفة، وهي عبارة عن سطح متحرك على ذيل الطائرة يؤثر على اتجاهها الأفقي، في التحرك بشكل غير متوقع، ما تسبب في فقدان السيطرة على الطائرة.
وبينما كانت التحقيقات جارية، كادت رحلة أخرى في عام 1996 أن تتحطم بعد مشاكل مماثلة مع الدفة.
في عام 1999، أكد المجلس الوطني لسلامة النقل أن الدفة هي سبب الحادثين بسبب عيب في التصميم، وأمرت إدارة الطيران الفيدرالية “FAA” بإجراء تعديلات على أسطول “737” بأكمله.
وقال سيمونز إن “حادثين خطيرين فصل بينهما ثلاث أعوام. إنه أمر مأساوي للغاية، ولكنه لم يخلق جو الأزمة ذاته في ذلك الوقت، مثلما قامت به حوادث 737 ماكس”.
طائرة “ماكس”
وأُعلن عن طائرة “بوينغ 737 ماكس” في عام 2011، وهي الجيل الرابع من هذه الطائرات.
وقال سيمونز: “كانت بوينغ بحاجة إلى مكافحة ما كانت تفعله شركة إيرباص بطائرة A320neo، وهي نسخة من الطائرة بمحرك جديد كان أكثر كفاءة في استهلاك الوقود بشكل كبير”.
ولكن للقيام بذلك، واجهت الشركة مشكلة واجهتها من قبل، وهي: المحركات الجديدة الأكبر حجماً التي أرادتها طائرة”737 ماكس” لم تتناسب أسفل الأجنحة المنخفضة للطائرة، وهي مشكلة لم تواجهها شركة “إيرباص” لأن طائرات “A320” كانت بالفعل أطول بكثير من طائرات “737”.
وكمن الحل بإضافة بعض الطول إلى معدات الهبوط الأمامية، وتركيب المحركات إلى الأمام وبشكل أعلى على الأجنحة.
ولكن اكتشفت “بوينغ” لاحقاً في أجهزة المحاكاة أن ذلك يؤدي إلى تغيير الديناميكا الهوائية للطائرة، ويجعلها تميل للأعلى بشكل خطير في مواقف معينة.
ولمواجهة المشكلة، ابتكرت الشركة نظام أمان يدعى “MCAS” سيدفع على الفور أنف طائرة “737” للأسفل إذا كان مائلاً للأعلى للغاية.
وبسبب تصميم “MCAS” لتطير طائرة “737 ماكس” تماماً مثل طائرات “737” السابقة، واعتقاد “بوينغ” أنها ستُستخدم فقط في ظروف الطيران الشديدة، تم إبقائه سراً تقريباً.
وقررت “بوينغ” عدم إدراج النظام في الدرس الموجز الذي يجب على الطيارين المعتمدين بالفعل لقيادة طائرات “737” السابقة أن يأخذوها لقيادة””737 ماكس”.
وعلاوة على ذلك، اعتمد “MCAS” على مستشعر واحد، وهو أمر يُعد هرطقة في صناعة الطيران، الذي يفضل الزيادة دائماً.
وتجاوز الطلب على الطائرة أكثر من 5 آلاف، ووصل بذلك إجمالي الطلبات حتى الآن إلى أكثر من 16،000، وذلك قبل وقوع كارثة.
إيقاف عالمي للطيران
وقع حادثان مميتان اشتمل كلاهما على نسخ لطائرة “737 ماكس 8” في 29 أكتوبر/تشرين الأول من 2018، و10 مارس/آذار 2019.
وفي الحالتين، تم تشغيل نظام “MCAS” بشكل غير صحيح بسبب بيانات خاطئة من جهاز استشعار ذو عيوب، وقاد ذلك مقدمة الطائرة للأسفل.
ولم يعلم الطيارون ما العمل، وحاولوا رفع مقدمة الطائرة بشكل يائس، ولكن نشط نظام “MCAS” مراراً وتكراراً، وفي النهاية غطست الطائرات إلى الأرض.
ووصل إجمالي الأشخاص الذين قتلوا على متن الرحلتين 346 شخصا.
وبعد أيام قليلة من وقوع الحادث الثاني، وبمجرد ظهور أوجه التشابه مع الحادث الأول، أوقفت “بوينغ” أسطول “737 ماكس” بأكمله.
ووفقاً لوثائق داخلية صدرت في أوائل عام 2020، وصف أحد موظفي “بوينغ” الطائرة بأنها “صُممت من قبل مهرجين أشرف عليهم بدورهم قرود”.
وبفضل جائحة فيروس كورونا التي أثرت عليها بشكل كبير، لا تزال صناعة الطيران تنتظر الحكم النهائي لقصة “737 ماكس”.
وستستأنف الخطوط الجوية في الولايات المتحدة قيادة الطائرة قبل نهاية العام بعد أن وافقت إدارة الطيران الفيدرالية على إقلاعها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.
ولكن هل ستكون “737 ماكس” آمنة؟
ويرى سيمونز أنه لا شك بذلك، فقال: “لن تقوم أي من سلطات الطيران حول العالم بالمخاطرة بإخلاء الطائرة للطيران إن لم يختبروها بشكل جيد”.