خضت وكثيرون في أمر هذه “المواجهة” حتى حار اللبيب في قراءة المشهد الراهن بين إيران وأميركا من جهة، وحلفاء الجانبين من جهة أخرى، ناهيك عن المتفرجين وليسوا أبرياء في كونهم متربصين لما ستنتهي إليه تلك “الواقعة” إن وقعت!
أسارع للقول إنها لن تقع على الأرجح، أقله حتى مرور العشرين من الجاري بسلام في واشنطن، بصرف النظر عن ساكنه بعد ظهر ذلك اليوم المشهود.
من هنا فإنه ليس من المعقول تقييم الموقف دون ربط الشأن الداخلي بالخارجي وليس فقط أمريكيا بل إسرائيليا وجهات أخرى قد تحيك أمرا ما يدفع أي من الأطراف الثلاث بالضغط على الزناد، لا قدر الله.
الأمانة والحكمة والخبرة تقطع باستحالة تهور أي رئيس في مرحلة انتقالية بشن حرب. ذلك قرار في أمريكا لا يمكن أن يمر دون موافقة الأمة الأمريكية ممثلة بالكونغرس. يعلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمنتخب “المفترض” جو بايدن أن الأمر ضرب من الخيال، لكن دون استبعاد حق الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بتنفيذ ضربة عسكرية انتقامية كانت أم احترازية في حال لاح في الأفق خطر داهم أو هدف ثمين لا يمكن السماح بإفلاته من يد العدالة “الأمريكية”. تلك الفرصة لاحت على سبيل المثال للرئيس الأميركي (الديمقراطي) الأسبق بيل كلينتون في تصفية زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي المؤسس إسامة بن لادن.
ترامب اختصر المسافة على الجميع، ووضع كما يقال “الطلقة في بيت النار”، متوعدا بالضغط على الزناد في حال مقتل أمريكي واحد بنيران إيران ووكلائها في أي مكان. رغم التصعيد اللفظي – وتلك أسطوانة باتت مشروخة تدعو إلى الملل وتبعث على الشفقة -، فإن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف اضطر الى إطفاء نار، يشعلها عمدا أو جهلا رموز التيار الأكثر تطرفا وتشددا في طهران. ظريف صار يتحدث بنظريات “المؤامرة” واتهم إسرائيل بأنها قد تفتعل ما يستدرج ردا أمريكيا على أمر لم تقم به بلاده بحق الأمريكيين وتحديدا في العراق.
أبعدت واشنطن حاملة طائراتها عن مياه الخليج الساخنة لكنها أبقتها في مياه المتوسط الدافئة في حال الاضطرار إلى استخدامها. في المقابل نشاط الطيران العسكري الأمريكي بكل صنوفه الاستراتيجية والتكتيكية يعج بسماء العراق على وجه الخصوص بدرجة عالية من الشفافية التي يعلم أولو الأمر مقاصدها. لو أرادت أمريكا إطلاق “شبح” هنا وهناك لما تسربت صورها إلى “الصحافة”!
أخيرا، ما ظننت صاحب نصيحة “لا تكن عنيدا وأحمقا” التي وجهها ترامب يوما ما لنظيره التركي “صديقه” رجب طيب إردوغان قد “ينهى عن شيء ويأتي بمثله”! لكن الخوف كله من سوء “ضبط” سياسة “الضغط إلى حده الأقصى” (ماكسيموم براشر) التي انتهجها ترامب مع نظام الملالي. لا بد من التنفيس ولو قليلا ريثما تشرق شمس الحادي والعشرين من يناير على البيت الأبيض..