هاجر ديفيد ماكولاي في سن العاشرة من عمره إلى أمريكا من إنجلترا في عام 1957 مع والدته، وشقيقه، وشقيقته على متن “SS United States”، وهي سفينة ضخمة كانت في الخدمة لمدة خمسة أعوام فقط آنذاك، وبقيت في الخدمة لـ12 عاماً آخر.
واحتفظت “SS United States” بأسرع سجل للسرعة عبر المحيط الأطلسي بالنسبة لسفينة ركاب، ولا تزال تحتفظ به، وكان لديها هوية سرية مزدوجة.
ودعمت حكومة الولايات المتحدة ثلثي تكاليف البناء البالغة 78 مليون دولار حتى يتمكن الجيش من مصادرة السفينة لتحويلها إلى سفينة نقل للجنود قادرة على استيعاب 14 ألف جندي.
ورغم هيكلها خفيف الوزن، إلا أن السفينة صُممت لتكون غير قابلة للتدمير عملياً.
وكان من المعروف أن مصمم السفينة، ويليام فرانسيس جيبس قال: “لا يمكنك إشعالها بالنار، ولا يمكنك إغراقها، ولا يمكنك الإمساك بها”.
وفي وقت لاحق من حياته، أصبح ماكولاي مفتوناً بالهندسة المعمارية والأعمال الداخلية للهياكل الضخمة، وقام بتأليف ورسم كتب الأطفال المعروفة مثل “Cathedral” و “Castle”، وهو أيضاً صاحب الكتاب المصور “Crossing on Time” من عام 2019، الذي يتمحور حول السفينة.
بمثابة “وصيفة”
وبطولها الذي يبلغ ألف قدم تقريباً (حوالي 305 متر)، ستكون السفينة في المرتبة السادسة عشرة من بين أطول ناطحات سحاب نيويورك، إذا وقفت منتصبة.
ونشأ ماكولاي في الولايات المتحدة، ولم يفكر كثيراً في السفينة التي أحضرته إلى هناك إلا بعد أعوام عديدة عندما وجد نفسه في فيلادلفيا لحضور مؤتمر.
وأثناء عبوره جسر”والت ويتمان”، نظر ماكولاي إلى أسفل نهر “ديلاوير” وتعرف على السفينة التي رست على رصيف 82، وقال: “يا إلهي، هذه هي سفينتي”.
ومنذ عام 1996، ظلت السفينة راسية في مدينة فيلادلفيا الأمريكية.
ووصفت المديرة التنفيذية لمنظمة حفظ “SS United States Conservancy”، وحفيدة مصمم السفينة، سوزان جيبس السفينة بأنها أشبه بـ”وصيفة”.
هيكل السفينة
واستضافت الأسطح الواسعة للسفينة مشاهير مثل كوكو شانيل، وكاري غرانت، ومارلين مونرو، وجون وين، إلى جانب 4 من رؤساء الولايات المتحدة.
والآن، تنمو الطحالب في بقع على أرضية السطح، ويتدفق النسيم دون عوائق عبر الممرات الفارغة وخيوط العنكبوت.
وبيعت المكونات الداخلية الأنيقة للسفينة في مزاد علني في عام 1984.
ورغم تجريدها من تفاصيلها الأنيقة، إلا أن هيكلها يُظهر قوتها.
وتُعد نوافذها المدعومة بالزجاج المقسّى آمنة لدرجة أن ضربة بمطرقة وزنها حوالي 5 كيلوغرامات لن تحطمها.
وبشكل مفاجئ، لم يتأثر الفولاذ من الدرجة العسكرية في السفينة إلا قليلاً نتيجة أعوام من التعرض للمياه المالحة.
تحيط بها السرية
وتُعد قوة بقاء السفينة وسلامتها الهيكلية تكريماً للرؤية المهووسة لمبدعها جيبس.
وكان شغف حياة جيبس، وهو من فيلادلفيا، يتمثل ببناء أعظم سفينة بحرية في العالم.
ورغم من عدم حصوله على تدريب رسمي كمهندس بحري، إلا أنه يُعتقد أن شركته “Gibbs & Cox” صممت 70% من جميع السفن البحرية خلال الحرب العالمية الثانية.
وكان جيبس مصراً بشكل كبير على أن تكون السفينة مقاومة للحريق لدرجة أن المواد الخشبية الوحيدة التي سمح بها خلال تجهيزها كانت ألواح التقطيع، وآلات البيانو، وصُنعت الأخيرة من خشب الماهوجني الخاص المقاوم للهب.
وإلى جانب ذلك، أصر جيبس على أن تتجنب السفينة أيضاً مصير “تيتانيك”، إذ حرص على استخدام قاع مزدوج يمتد على طول جوانب هيكلها. وتضمنت السفينة غرفة محرك مزدوجة في حالة فشل المحرك الأساسي.
وبسبب هدفها العسكري الخفي، رغم أنها لم تُستخدم للحرب قط، كانت عملية بناء السفينة محاطة بالسرية.
وكانت السفينة هي أول سفينة رئيسية بُنيت في حوض جاف، وبعيداً عن أعين المتطفلين.
وتتعاون الجهة المعنية بحفظ السفينة حالياً مع شركة العقارات التجارية “RXR Realty” لدراسة جدوى إحياء السفينة كمكان متعدد الاستخدامات، بما في ذلك متحف للابتكار على ظهر السفينة.
ورغم أن جائحة “كوفيد-19” أدت لإبطاء وتيرة التقدم، إلا أنهم يواصلون المضي قدماً.