في عام 1997، عاد صاحب المطعم داني ييب من أستراليا إلى هونغ كونغ، وبعد أن عمل في صناعة الأغذية والمشروبات منذ الثمانينيات، تعهد بأنه لن يفتح مطعماً آخر مرة ثانية.
ويتذكر ييب خلال مقابلة أن “الأمر كان مرهقاً للغاية”
وبدلاً من ذلك، عند عودته إلى مدينته، أسس شركة إنترنت ناجحة.
ولم يمض وقت طويل قبل أن ينقض عهده.
وبعد أن افتقد الإثارة والمتعة في الصناعة، باع ييب شركته في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وافتتح مطعم “The Chairman”، وهو مطعم كانتوني متواضع يتكون من طابقين، ويقع في شارع هادئ بحي شيونغ وان في هونغ كونغ.
وكان ذلك بمثابة قرار سليم، إذ أن اليوم، يُعتبر مطعم “The Chairman” مثالاً على المطاعم الصينية الحديثة.
أول مطعم صيني يفوز بالمركز الأول
وفاز مطعم “The Chairman” بالمركز الأول ضمن جوائز أفضل 50 مطعماً في آسيا لهذا العام، وهو أول مطعم صيني على الإطلاق يفوز بهذه الجائزة، والتي تقررها أكاديمية تضم 318 ناخباً ينتشرون في جميع أنحاء آسيا.
ويقول ويليام درو، مدير المحتوى لدى جوائز أفضل 50 مطعماً في العالم، والتي تنظم الجوائز إنه “مطعم بسيط بلا رفاهيات ولا حيل، فقط طعام كانتوني رائع يركز على المكونات”.
ويضيف درو: “ربما يعود نجاحه جزئياً إلى إعادة تقييم رواد المطعم لما هو أكثر أهمية، واستنتاجهم أن الوجهات غير المبهمة والمخصصة حقاً للحصول على أفضل المكونات وابتكار أطباق مبتكرة ولذيذة، يجب أن تحظى بتقدير كبير”.
أما أحد الأمثلة الواضحة على ذلك فهو طبق “لحم الإوز المدخن المطهو فوق خشب الكافور بـ7 توابل”، والذي استغرق عدة أشهر لتطويره، وهو ليس متاحاً حتى ضمن قائمة المطعم ويحتاج رواد المطعم إلى طلبه مسبقاً.
أولاً، يتم نقع الإوزة في مرقة الدجاج والبط والحمام والإوز لمدة يومين، ثم تُطهى على نار هادئة لمدة ثماني ساعات، ثم يتم تدخينها على نار هادئة فوق خشب الكافور، مع قيام الطاهي بتغيير الخشب في منتصف العملية.
وينتج عن ثلاثة أيام من العمل شرائح طرية ورطبة من لحم الإوز ونكهات مكثفة للغاية لا تحتاج إلى أي إضافات.
ويضيف درو: “يتميز مطعم The Chairman بتماسكه على مر السنين، ولكنه في الوقت ذاته لم يقف ساكناً ولا يحاول أن يتظاهر بأنه ينتمي لهوية أخرى، كما أن فريق الطهي يستمر في اسكشاف مكونات جديدة ويبتكر العديد من الأطباق جديدة”.
وبالنسبة إلى ييب، يعد الحصول على المركز الأول بمثابة فوز للمطبخ الصيني بشكل عام، ويقول: “كونه مطعماً صينياً، كانت لحظة خاصة ليس فقط بالنسبة لنا، ولكنها تعني كل شيء لمن يعمل في المطاعم الصينية”.
ويتابع ييب: “العديد من الطهاة الشباب لن يفكروا في الطبخ الصيني عندما ينضمون إلى الصناعة لأول مرة. وعلى الصعيد الدولي، هناك العديد من المأكولات التي احتلت مرتبة أفضل من الصينية – مثل الفرنسية واليابانية وحتى الاسكندنافية والأمريكية الجنوبية.
ويضيف: “قام الكثيرون بالتشكيك في الطعام الصيني، وتساءلوا عما إذا كانت هناك طاقة متبقية لهذا المطبخ القديم”.
المطبخ الصيني: العلاقة المعقدة مع العالم
وبالنظر إلى قوائم أفضل 50 مطعماً في آسيا السابقة منذ عام 2013، لم يتمكن سوى “Lung King Heen”، المطعم الكانتوني الراقي الحائز على ثلاث نجوم من ميشلان في فورسيزونز هونغ كونغ من الاقتراب من القمة، حيث احتل المرتبتين التاسعة والعاشرة في عامي 2014 و 2016 على التوالي.
واحتل مطعم “The Chairman” المرتبة الثانية العام الماضي. وكان أيضاً المطعم الصيني الوحيد الذي احتل قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم في عام 2019، حيث احتل المرتبة الـ41. (وتم إلغاء إصدار 2020 من جوائز أفضل 50 مطعماً في العالم بسبب الجائحة).
وعندما يتعلق الأمر بدليل ميشلان، من غير المألوف أيضاً أن ترى المطاعم الصينية تنال الثناء خارج آسيا.
وفي عام 2009 عندما تم إصدار أول إصدار من دليل ميشلان لهونغ كونغ وماكاو، أصبح “Lung King Heen” أول مطعم صيني على الإطلاق يفوز بثلاث نجوم على مدار 109 عام من تاريخ الدليل الفرنسي.
واليوم، خمسة من كل 10 مطاعم من فئة ثلاث نجوم في دليل عام 2021 هي مطاعم صينية.
وفي مكان آخر في المنطقة، أصبح “Sazenka” مؤخراً أول مطعم صيني يحصل على ثلاث نجوم ميشلان في دليل طوكيو لعام 2021.
وفي أوروبا، أصبح مطعم “A. Wong”، الذي يقدم المأكولات الصينية الإقليمية بأسلوب حديث، أول مطعم صيني يفوز بنجمتي ميشلان خارج آسيا مع إصدار دليل ميشلان لندن لهذا العام.
لماذا إذا من النادر أن تحصل المطاعم الصينية، على الرغم من شعبيتها العالمية وتاريخها الطويل، باعتراف دولي، مقارنة بمطابخ مثل الفرنسية أو اليابانية؟
ويقدم الشيف صاحب مطعم “A. Wong”، أندرو وونغ تفسيراً محتملاً.
ويوضح الطاهي، الذي درس الأنثروبولوجيا قبل تولي مهامه في المطعم الصيني الذي أسسه أجداده في لندن أنه “خلال الثورة الثقافية، هاجر الطهاة الملكيين إلى إنجلترا والولايات المتحدة وكندا وأجزاء أخرى من أوروبا. وهذا أمر مهم لأنه أدى إلى نمو المطبخ الصيني على نطاق عالمي”.
ويتابع: “سافر هؤلاء الطهاة، واستخدموا تقنياتهم ودمجوها في الثقافات الأخرى بنجاح، لقد جعلوا الطعام الصيني أحد أكثر المأكولات المحبوبة على مستوى العالم”.
ويضيف: “ومع ذلك، نظراً لأننا استمتعنا بهذا التاريخ الطويل في تفسير وإعادة تفسير مطبخنا داخل المدن الدولية، فقد فقدنا بعض الأشياء على الطريق. وفقدنا الاتصال بشأن التقنية والحرفية والتفاني وتحديد المصادر والهوس بالمكونات داخل فن الطهو الصيني”.
ومع ذلك، تحسن الوضع بالنسبة للمطبخ الصيني خلال العقد الماضي.
وتظهر المزيد من المؤسسات الصينية الحديثة في جميع أنحاء العالم، بما يتماشى مع الرغبة المتزايدة بين رواد المطعم لتجربة المأكولات غير المألوفة.
وعلى سبيل المثال، تأخذ قائمة “A. Wong”، تحت عنوان “مذاق من الصين”، رواد المطعم في لندن في رحلة حول الصين، حيث تقدم الأطباق المحلية التي تم البحث عنها جيداً والمليئة بالقصص التاريخية.
ويضيف وونغ: “النجوم تصطف الآن، وسيتطلع الطهاة الدوليون لمعرفة المزيد عن التقنية والمكونات والنكهات الجديدة من الطهاة الصينيين”.
مخطط مطعم “The Chairman”
ومن المستحيل التحدث عن مطعم “The Chairman” دون إبراز روح المطبخ، أي الشيف كووك كيونغ تونغ، الشهير بلقب الأخ كيونغ.
وطلب ييب من كووك الانضمام إلى مطعم “The Chairman” بعد تذوق نسخة الشيف المتمرس من نودلز اللحم البقري المقلي الجاف، وهو طبق وجبة العشاء الكانتوني الكلاسيكي الذي يختبر مهارة الشيف في استخدام المقلاة الصينية منذ أكثر من عقد من الزمان.
ومن أجل جذب كووك إلى فريقه، وعد ييب الشيف باستقلالية كاملة في المطبخ، مما يسمح له بإعداد المأكولات التي لم يجربها من قبل.
ويقول كووك: “الطريقة التقليدية لفعل الأشياء ليست طريقة سيئة ولكنها قد تكون مملة”، مشيراً إلى أنه في مطعم “The Chairman”، يمكنه أن يبتكر أغرب الطرق لطهي الطعام.
وخارج ساعات العمل، يقضي كل من ييب وكووك الوقت معاً في تحسين قائمة الطعام وإعادة ابتكارها.
وخلال زيارة ، ناقش الثنائي بعضاً من أكثر الأطباق الصينية صعوبة في الطهي، وتوصلا إلى توافق في الآراء بشأن الدجاج المفروم على البارد، وهو طبق بسيط يُسلق فيه الدجاج في مرق ساخن ثم يغطس في الثلج البارد.
ويشرح ييب، أن نسخة المطعم تشمل نقع الدجاج في المرق البارد لساعات، مما يسمح بمضاعفة النكهات دون الإفراط في طهيها.
ومن خلال العمل معاً منذ افتتاح المطعم في عام 2008، طور الثنائي مئات الأطباق معاً، على طول الطريق لتعزيز الشعور العميق بالتفاهم المتبادل.
وهذا نهج مختلف عن المطاعم الصينية التقليدية، والتي تركز في الغالب على الوصفات.
ومن خلال التركيز على المكونات والمفاهيم وجوهر الطعام – وهو مفهوم أساسي للطعام الكانتوني – ابتكر الاثنان تفسيرهما الخاص للمطبخ والهوية الصينية.