كان أندرو كونغ مراهقًا زائرًا لمدينة نيويورك عندما تمت إهانته عنصريًا لأول مرة.
ونشأ المصور الصيني الأمريكي في منطقة “Sunset District” بمدينة سان فرانسيسكو، وهي موطن لعدد كبير من السكان الآسيويين، الذين “كادوا أن يشعروا وكأنهم في حي صيني”، بحسب قوله في مقابلة بالفيديو.
وكان كونغ محاطًا بأشخاص يشبهون والديه وأجداده، ويتناولون نفس الطعام الذي كان يأكله.
ولكن، في إحدى رحلاته الأولى إلى الساحل الشرقي، كان كونغ يعبر الشارع عندما صرخ عليه عامل الصرف الصحي بشكل مهين.
ويقول كونغ: “كانت تلك حقًا المرة الأولى التي شعرت فيها أنني مختلف عن الآخرين، رغم تواجدي في مدينة مثل نيويورك.. كدت أشعر بالاستهداف المفرط، عندها شعرت بأنني غير مرئي في الوقت نفسه”.
وأثارت سلسلة من جرائم الكراهية ضد آسيا خلال جائحة “كوفيد-19” نقاشًا على مستوى البلاد حول النضالات التي غالبًا ما يتم تجاهلها لمجتمعات الأمريكيين الآسيويين وجزر المحيط الهادئ.
وحتى الآن، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على مناداة كونغ بلقب عنصري لأول مرة في سن المراهقة، لا يزال يتعرض بعض الأشخاص لتعنيف جسدي ولفظي عنصرية، خاصة في أماكن متنوعة مثل مدينة نيويورك.
وقال كونغ، الذي انتقل إلى بروكلين في عام 2016 إنه “تذكير آخر بأننا سنبقى أجانب دومًا. لقد طُلب منا العودة إلى بلادنا، في الوقت الذي يكون هذا هو وطننا”.
وألهمت هذه الفكرة بشكل مباشر مشروع كونغ الأخير، “Perpetual Foreigner”، وهو عبارة عن مجموعة من أكثر من 12 صورة لآسيويين يحتلون “المساحات الأمريكية اليومية”، مثل الحدائق أو الشواطئ.
وأوضح كونغ، الذي كتب على موقعه عبر الإنترنت إن عمله يهدف إلى “تطبيع الجمال الأمريكي الآسيوي، والانتماء، والفردية”: “أردت أن أضع وجوهًا آسيوية وأجسادًا آسيوية في تلك المساحات”.
وقال: “هذه هي المساحات التي نسكنها.. نحن نستحق أن نكون أمريكيين مثل أي شخص آخر”.
تحدي القوالب النمطية
وبعد بضعة أشهر من انتشار الوباء، استلهم كونغ هذه الفكرة بعد حديثه مع صديقته كاثلين نامجونج، وهي أمريكية كورية أصبحت مواطنة أمريكية متجنسة في عام 2016.
وتستذكر نامجونج، التي تعيش الآن في البلاد منذ حوالي 20 عامًا، موقفًا حصل في المدرسة، حيث تم توبيخ زميل في الفصل لكتابته على الطاولة: “دعونا نقصف كوريا جميعًا”.
وفي إحدى صور كونغ باللونين الأبيض والأسود، ستجد نامجونج تنظر مباشرة إلى عدسة الكاميرا، وهي مستلقية في غرفة النوم، مع وجود العلم الأمريكي معلقًا على جدارها.
وقال كونغ: “لقد ألهمني حقًا وضعها في هذه البيئة الأمريكية بالكامل، حيث يمكنك فقط إلقاء نظرة على الصورة والتعبير عن ذلك.. حسنًا، إنها تنتمي إلى هناك.. إنها ليست أجنبية بشكل دائم.. لكن لديها حق تعليق هذا العلم الكبير بفخر في غرفة نومها مثل أي شخص آخر”.
وفي صورة أخرى، تذكرنا بمشهد من فيلم “ضوء القمر” الحائز على جائزة الأوسكار، ستجد أب يحمل طفليه الصغيرين على الشاطئ.
وقال كونغ إنه يريد تسليط الضوء على العلاقة الحميمة في العائلات الآسيوية، ومواجهة الصورة النمطية للآباء الآسيويين بأنهم غير عاطفيين أو يفتقدون إلى الحنان.
وتضمنت أحد أعمال كونغ صورة لوالديه، إريك كونغ وبينغ هوانغ، حيث تم تصوير الثنائي وهما يحتضنان بعضهما البعض في حديقة قبل غروب الشمس، مع ظهور مجموعة من أزهار ماغنوليا الوردية اللون في الخلفية.
وقال المصور إنه أراد مشاركة والديه في المشروع، لأنه مستوحى من قصة حبهما.
ويُذكر أن والد كونغ قد خدم بالجيش في ولاية كارولينا الشمالية، وكانت والدته قد هاجرت من الصين إلى كارولينا الجنوبية لدراسة الموسيقى.
وبالتالي، التقى والداه في أحد المطاعم التي عملت فيها والدة كونغ، وتزوج الثنائي في عام 1989.
وقال كونغ: “أردت أن أظهر للناس حبًا ناضجًا، من خلال عدستي، عندما كنت طفلًا”.
وأضاف: “عندما كان والدي في الجيش، هاجرت أمي إلى هنا للدراسة في مدرسة أمريكية، واستقرا في خليج سان فرانسيسكو، قبل ولادتي”.
العثور على اختلاف دقيق
ومع تزايد أعمال العنف والتمييز، التي تستهدف مجتمعات الأمريكيين الآسيويين وجزر المحيط الهادئ، قال كونغ إن هذا المشروع قد اكتسب أهمية أكبر.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، قفزت جرائم الكراهية ضد الآسيويين في 22 من أكبر مدن البلاد بنسبة 194٪ مقارنة بالعام السابق، وفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز دراسات الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا.
وبذلك، يأمل المصور أن يسلط الضوء على “جمال الأمريكيين الآسيويين وما تبدو عليه الحياة الآسيوية”.
وتعد هذه الأفكار واضحة في مشاريع كونغ السابقة أيضًا.
وفي سلسلته لعام 2020، التي تعرف بـ”The All-American”، صوّر كونغ الرجولة الآسيوية في تجسيداتها العديدة، من رجل يرتدي سروال الجينز وهو يجلس على سريره، محاطًا بملصقات جاكي شان وجيريمي لين إلى مشهد سريالي لعامل في مكتب، يرتدي سترة تشبه الكيمونو، وهو محاط بنباتات الخيزران، لمواجهة الصور النمطية السائدة عن الذكور الأمريكيين الآسيويين.
وقال كونغ: “بقي الأمريكيون الآسيويون غير مرئيين لفترة طويلة.. كان يُنظر إليهم على أنهم الأقلية النموذجية الذين يُطأطئون رؤوسهم إلى الأسفل ويعملون بجد فقط. ويستمر الاختلاف الدقيق فيما يعنيه أن تكون أمريكيًا آسيويًا في الولايات المتحدة”.