يئن العراقيون تحت وطأة حر شديد، فيما تعاني البلاد أزمة كهرباء خانقة، فلا يجد كثيرون ملجأ سوى السباحة، إذا كانت المياه على مقربة منهم، وهذا ما يفعله كثيرون في مدينة البصرة، جنوبي البلاد، رغم تحذيرات طبية من السباحة في مياه شط العرب، نظرا لملوحتها المرتفعة.
من بين هؤلاء، نعيم الطائي، الذي يجلس على دفة شط العرب مع أربعة من أبنائه بملابس السباحة، يتناول “البوظة” المحلية ويستعد لجولة أخرى من السباحة في مياه الشط.
يقول في حديث بكثير من الكوميديا السوداء: “عملت موجها تربويا في أغلب ثانويات مدينة البصرة، لأكثر من 30 عاما، وكانت مراقبة وجوه وأيادي الطلبة بالنسبة لي بمثابة واجب يومي، فقد كنا في نظامنا التربوي نحرص على نصح الطلبة ومنعهم من السباحة في مياه شط العرب الذي يمر في المدينة، نظرا لخطورتها المميتة عليهم، وبحكم تأثيرات ملوحته على أعينهم وجلودهم”.
يضيف الطائي في حديثه مبتسما: “يبدو أننا وقعنا في الفخ نفسه، صارت الحياة في المدينة لا تطاق دون السباحة في الشط لساعات بشكل يومي. لا يستطيع أحد أن يتحمل حرارة تتجاوز 50 درجة، وفي مدينة إسمنتية وفي ظل انقطاع الكهرباء. لا حل أبدا غير السباحة”.
ويتابع: “حتى أنه يمكنك أن تلتقي بكل سكان المدينة هنا، وثمة بعض الأشخاص الذين أخبروني عن نيتهم فتح مقاهي شاطئية في كل زاوية من هذه المنطقة”.
وتشهد مختلف مدن العراق موجة ارتفاع استثنائية في درجات الحرارة، تراوحت بين 45-52 مئوية، بين المناطق الشمالية ونظيرتها الجنوبية، التي تشهد أعلى درجات الحرارة بسبب إطلالتها على شواطئ الخليج العربي، مما يزيد من نسبة الرطوبة الجوية، ولأنها محاطة بالصحاري القاحلة من كل حدب.
وكانت إيران قد قطعت الكهرباء عن العديد من مدن ومناطق العراق، خصوصا القريبة من حدودها مثل مدينة البصرة، بحجة تلبية الحاجات المحلية من الكهرباء.
معلقون عراقيون اعتبروا قطع إيران للكهرباء في ذروة موجة الحر بمثابة “ابتزاز للحكومة العراقية”، حتى تندفع لتجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على إيران في قطاع النفط والغاز، وتقبل بالإمدادات الإيرانية من الطاقة الغازية لصالح المنشآت العراقية المنتجة للكهرباء.
سباحة رغم المخاطر
آلاف المواطنين العراقيين المنتظرين على جنبات دفتي شط العرب عبروا في أحاديثهم عن اعتقادهم بأن الصيف الحالي هو “الأخير الذي يستطيعون فيه السباحة في شط العرب، لأن اللسان الملحي من مياه الخليج العربي يمتد يوما بعد آخر، ليتداخل مع مياه الشط، دون أن تتمكن الحكومة المركزية أو المحلية من إيجاد حلول هندسية مناسبة للظاهرة، ما عدا الحديث عن نيل تركيا من حصة العراق في مياه نهري دجلة والفرات”.
الوزارات العراقية المختصة، وبالذات الري والزراعة، عبرت عن توجهها لإطلاق موجات من المياه العذبة من بحيرات دوكان والموصل والحبانية في وقت واحد، مما قد يمكن مياه الشط العذبة من دفع المياه المالحة إلى خارج المنطقة النهرية.
إلى جانب عمليات السباحة التي تجري طوال اليوم، فإن كاميرات الهواة العراقيين نقلت عشرات الصور لشبان جهزوا ما يشبه أسرة النوم داخل الشواطئ النهرية لشط العرب، حيث قرروا النوم هناك لأن درجات الحرارة في البصرة “لا يمكن أن تُحتمل حتى ليلا”.
الأوضاع العامة الضاغطة دفعت العشرات من أهالي محافظة البصرة إلى الاحتجاج أمام المقار الحكومية، للمطالبة بإقالة العشرات من المسؤولين المحليين الذين فشلوا لعشرات السنوات بإيجاد حل لمشكلة الكهرباء في المدينة، بالرغم من الثروة النفطية والنهرية والاقتصادية الهائلة التي تمتاز بها عن غيرها من المحافظات العراقية.
الناشطة المدنية العراقية المنحدرة من مدينة البصرة، لمى الشمري، قالت في حديث تعليقا على الإقدام اليومي الكثيف لسكان المدينة والمناطق القريبة منها، على السباحة في مياه ال
شط: “بالرغم من كل البعد المأساوي للحالة التي دفعت السكان لممارسة هذه الهواية، فإنها تبدو كمهرجان شعبي واجتماعي احتفالي لسكان المدينة، الذين يجتمعون ويتناولون المثلجات ويقضون أوقاتا سعيدة”.
لكنها من جانب آخر، تبدو مسا بالمساواة الاجتماعية بين الذكور والإناث في الحصول على هذا الفضاء، الذي يقلل من ضغوط الحرارة وانقطاع الكهرباء، بحسب الشمري.
وتضيف “نحن كمنظمات نسوية ومدنية في البصرة، نميل للاعتقاد بأن العدالة تتطلب الشراكة في الشط بين النساء والرجال، تقسيمه مثلا إلى قطاعات مخصصة بعضها للذكور وأخرى للإناث، أو حسب أوقات اليوم. فدون شك ثمة رغبة عارمة من قبل نساء المدينة للحصول على قسط من الحل الوحيد لمواجهة الحر”.