بات الصمت الطبيعي، الذي يقتصر على صوت الطبيعة فقط، نادرًا بشكل متزايد، علمًا أنه أصبح بالإمكان سماع الضجيج من صنع الإنسان حتى في الزوايا النائية للمنتزهات الوطنية وفي أعماق المحيط المتجمد الشمالي.
هناك تأثر مقلق لذلك، حيث تم ربط التلوث الضوضائي بأمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل الصحة العقلية والضعف الإدراكي لدى الأطفال.
وفي الحياة البرية، يؤدي ذلك إلى تعطيل الملاحة وطقوس التزاوج والتواصل ويمكن أن يسبب فقدان السمع.
ويقول مسجل الصوت، مات ميكيلسن، وهو جزء من منظمة غير ربحية (Quiet Parks International)، التي تهدف إلى تحديد الأماكن الهادئة الأخيرة على كوكب الأرض والحفاظ عليها: “نحن نفقد القدرة على الاستماع إلى الطبيعة دون تلوث ضوضائي”.
وتتمثل مهمة ميكيلسن في الاستماع إلى بعض المواقع وتسجيل المشهد الصوتي بميكروفونات عالية الحساسية. وبالطبع لا يمكن أن يكون هناك أكثر من صوت مسموع من مصدر بشري كل 15 دقيقة.
قياس الهدوء
وفي منطقة “باونداري ووترز كانو ويلدرنس” في مينيسوتا، لا يُسمح بالسيارات أو القوارب ذات المحركات أو الكهرباء أو خطوط الهاتف في المنطقة التي تبلغ مساحتها مليون فدان، ما يجعلها منافسًا قويًا لمنظمة Quiet Park. لكن عند الاستماع إلى التسجيل، يستطيع ميكيلسن سماع صوت منخفض لطائرة تجارية تحلق بعيدًا.
وفي الوقت نفسه، يحدد بدقة صوت ضجيج يصدره الطائر ليحدد منطقته للتزاوج بضرب أجنحته في الهواء.
ولم تقرر Quiet Parks بعد ما إذا كانت “باونداري ووترز” تفي بمعاييرها، وهي واحدة من 260 موقعًا محتملاً حول العالم تستكشفها المنظمة حاليًا.
وسيقوم الفريق بتحليل التسجيلات الصوتية من كل موقع والنظر فيها جنبًا إلى جنب مع البيانات الأخرى، مثل تلك المستمدة من خرائط الطرق والمرور الجوي، أو وجود صناعات محلية يمكن أن تسبب اضطرابًا، مثل التعدين.
وحتى الآن، منحت المنظمة شهادتها لحديقة برية واحدة هادئة، تقع على ضفاف نهر زابالو في منطقة الأمازون الإكوادورية، ومنتزهين حضريين آخرين وهما: منتزه يانغمينغشان الوطني في تايوان وهامبستيد هيث في لندن.
وفي حين أن التصنيف لا يجلب أي حماية قابلة للتنفيذ بشكل قانوني، تأمل Quiet Parks أن تشجع ذلك من خلال مساعدة المنطقة في الحصول على الاعتراف، وإيجاد اهتمام لوسائل الإعلام وزيادة السياحة البيئية، ما يوفر حافزًا للسلطات المحلية للحفاظ على هدوئها.
ورغم وجود تعارض محتمل بين زيادة السياحة والحفاظ على الهدوء، إلا أن Quiet Parks تأمل في جذب الزوار الذين يبحثون عن تجربة هادئة ومن المرجح أن يتصرفوا باحترام.
مستويات الصوت
خلال السنوات الأخيرة، كان العالم يعلو صوته مع توسع المدن والبلدات وكثرة الطائرات وسفن الشحن ذات الأبواق المرتفعة.
ولكن، كانت هناك فترة راحة مؤقتة وسط تفشي جائحة كوفيد-19. ففي عام 2020، انخفض السفر الجوي العالمي بنسبة 60٪ وانخفض النقل البري بمقدار النصف تقريبًا.
ووجد العلماء في أوروبا أن الضوضاء التي يسببها البشر قد انخفضت بنسبة تصل إلى 50٪ بعد فرض الإغلاق.
ويقول ميكيلسن إن الناس استمتعوا بالصمت، موضحًا: “لم تكن هناك طائرات في السماء، ولم تكن هناك سيارات في الشارع .. كان من الرائع أن تكون قادرًا على سماع العالم، فجأة، وهو خالٍ من التلوث الضوضائي”.
ويعتقد أن هذا الصمت قد ساعد الناس على إعادة التواصل مع الطبيعة والاهتمام أكثر بالبيئة من حولهم. ومنذ بداية الوباء، تقول Quiet Parks إنها شهدت زيادة هائلة في اهتمام الناس بالأماكن الهادئة.