قد لا يكون طويلًا أو معروفًا مثل سكة الحديد الشهيرة العابرة لسيبيريا. لكن الاعتراف الدولي قد طال انتظاره للسكة الحديدية العابرة لإيران، والتي يبلغ طولها 1,394 كيلومترًا.
ويتاريخ 25 يوليو/ تموز، كانت السكة الحديدية واحدة من بين 33 موقعًا جديدًا أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وبالتالي، تنضم إلى المواقع المشهورة عالميًا مثل البندقية، وماتشو بيتشو في بيرو، ومنتزه يلوستون الوطني في الولايات المتحدة، وجزر غالاباغوس في الإكوادور.
وكان المشروع، الذي يربط الخليج ببحر قزوين، متأخر نسبيًا من حيث السكك الحديدية، حيث افتُتح عام 1938، أي بعد 11 عامًا من عملية البناء المليئة بالتحديات.
ورغم أنه ليس معروفًا على نطاق واسع خارج إيران اليوم، إلا أنه أحد أعظم الأعمال الهندسية في القرن العشرين.
ويمتد خط السكة الحديدية، الذي يحمل كلاً من قطارات الشحن والركاب، إلى الشمال الشرقي تقريبًا، أي من بندر امام خمیني (بندر شهبور سابقًا) عبر الأهواز، وقم وطهران إلى بندر تركمان (بندر شاه سابقًا).
وهناك ما لا يقل عن 224 نفقًا يبلغ إجمالي طولها 76 كيلومترًا، بينما يحمل 174 جسرًا قوسيًا و186 جسرًا أصغر، السكة الحديدية عبر الوديان العميقة ووديان الأنهار أثناء صعودها إلى قمتين يبلغ ارتفاعهما 2134 مترًا (7000 قدم).
وعلى سبيل المثال، بُني جسر ورسك في عام 1934/1935 من قبل مقاول إيطالي، حيث يرتفع 110 أمتار فوق قاع الوادي، على قوس حجري يبلغ ارتفاعه 66 مترًا.
ويدعي الفولكلور المحلي أنه تم توجيه كبير المهندسين الإيطاليين وعائلته بالوقوف تحته لمرور القطار الأول، وذلك من أجل تهدئة المخاوف من أن الهيكل النحيف لن يكون قادرًا على تحمل وزن القطارات.
وكان لابد من التغلب على تحديات جيولوجية وهندسية لا حصر لها لإكمال الخط. وعلى سبيل المثال، تم التخلي عن بعض الأنفاق أثناء عملية البناء بعد العثور على رواسب الملح والجبس، ما أدى إلى تحديد مسارات جديدة.
وشملت المشاكل اليومية كلًا من نقص المياه العذبة لخلط الملاط والخرسانة ذات النوعية الجيدة والحفاظ على ترطيب أجسام العمال وطاقم القطار.
مناظر طبيعية خلابة ومواقع أثرية
ويُذكر أن تيم ليتلر هو مؤسس شركة “Golden Eagle Luxury Trains” ومقرها المملكة المتحدة، والتي نفذت 19 رحلة إلى إيران بين عامي 2014 و2019.
وشملت الشركة رحلة على الخط العابر لإيران في رحلة “قلب بلاد فارس” من طهران.
وأوضح ليتلر أن هناك الكثير من عوامل الجذب على الخط جنوب غرب طهران، حيث يستمر عبر قم ويصعد إلى القمة في نور آباد عبر مركز آراك النووي.
وقال: “من القسم المذهل الذي يبلغ طوله 220 ميلاً عبر دوروند وأنديمشك، من الممكن زيارة مدينة سوزا القديمة، التي يعود تاريخها إلى 4200 قبل الميلاد، وموقعين آخرين من مواقع التراث العالمي، وهما نظام شوشتر الهيدروليكي التأريخي ومجمع إيلاميت في جغا زنبيل، وهو مهجور لفترة طويلة، أي منذ 640 قبل الميلاد”.
رمز التحديث
وكان الخط العابر لإيران هو الجزء الأول من شبكة طموحة خطط لها زعيم البلاد آنذاك، رضا شاه بهلوي، حيث سعى إلى تحديث الاتصالات والاقتصاد الإيراني في ثلاثينيات القرن الماضي.
وتم تخطيط أو بناء خطوط أخرى لربط طهران بالاتحاد السوفيتي وتركيا وباكستان (التي كانت آنذاك الهند البريطانية).
لكن بناء خط السكة الحديدية المكلف بين الشمال والجنوب، والذي قُدر بحوالي 39 مليون دولار في وقت الانتهاء (أي أكثر من 2.7 مليار دولار في أرقام اليوم)، قد أثر بشدة على الدولة النامية، ما جعله لا يحظى بشعبية واسعة وساهم في نهاية المطاف إلى سقوط الشاه.
وتم طرح الاقتراحات لإنشاء خط سكة حديد عبر إيران، يربط بين الإمبراطورية الروسية والهند البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لكن تم تركيز الاهتمامات والأموال المحدودة في مكان آخر نتيجة المخاوف الدبلوماسية بشأن توازن القوى في المنطقة، ولامبالاة بريطانيا وحرب روسيا مع اليابان في عام 1905.
وفي نهاية المطاف، هددت سكة حديد بغداد المدعومة من ألمانيا، والتي تربط أوروبا بالشرق الأوسط عبر الإمبراطورية العثمانية، بزيادة نفوذ برلين في المنطقة من خلال بناء امتداد لطهران.
وتم إجبار روسيا وبريطانيا على العمل، ولكن وقعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914.
وبعد خمس سنوات، تغير العالم.
هُزمت ألمانيا، وكانت روسيا تحت إدارة جديدة، وكانت إيران مستقلة رغم ضعفها وإفلاسها.
ومع ذلك، كان يُنظر إلى السكة الحديدية العابرة لإيران على أنها أداة حيوية لجعل البلاد أكثر حداثة والتغلب على الاتصالات الضعيفة عبر منطقة قليلة الاستقرار.
وعندما بدأ العمل أخيرًا، كان بناء خط السكة الحديدية جهدًا تعاونيًا رائعًا من قبل 43 مقاولًا من العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والدنمارك.
وعلى غير العادة بالنسبة إلى خط سكة حديدية آسيوية رئيسية في ذلك الوقت، تم تمويلها بالكامل من قبل إيران نفسها.
وأُعلن عنها كرمز لتحديث الدولة المستقلة وزيادة الثقة الوطنية، لكن تمويل المشروع من الضرائب على السلع مثل السكر والشاي كان أيضًا يشكل دعمًا ضد الاستغلال الأجنبي، وخاصة من قبل الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي.
وقامت نقابة دولية، وهي تعرف باسم “Chemin du Fer en Perse”، ببناء خطوط الاختبار الأولية مع فريق أمريكي يبدأ من الجنوب وتحالف ألماني يعمل من ساحل بحر قزوين إلى سفوح جبال البرز في شاهي.
وأدت التأخيرات في السداد إلى انسحاب الأمريكيين في عام 1930 واستغرق الأمر ثلاث سنوات للعثور على بديل، وهي شركة البناء الدنماركية “Kampsax”.
وبالتالي، تمكنت “Kampsax” من إكمال الخط بحلول أغسطس/ آب 1938، تحت الميزانية وما يقرب من عام قبل الموعد المحدد.
ومن أجل تزويد القطارات بالطاقة، زودت شركة “Beyer, Peacock & Co” في مانشستر بإنجلترا أربع قاطرات بخارية ضخمة من طراز “Garratt”. وكانت تتشابه مع الآلات المصممة للخطوط الاستعمارية البريطانية في أفريقيا وأستراليا، حيث تجمع بين القوة الهائلة والمرونة للانتقال بين المسارات المنحنية بإحكام مع حدود الوزن الشديدة.
وقام عملاقا هندسة السكك الحديدية الألمان كروب وهينشل أيضًا بتزويد قاطرات بخارية ثقيلة تقليدية، رغم أن العديد من هذه كانت معطلة بالفعل بحلول عام 1941، ما تتطلب إصلاحًا أو تعديلًا لتحمل قسوة العملية الصحراوية.
وفي أغسطس/ آب 1941، أي بعد ثلاث سنوات فقط من الانتهاء من مشروع العرض، غزت بريطانيا، وروسيا، إيران بحجة إحباط انقلاب مدعوم من ألمانيا.
وفي الواقع، تحركت بريطانيا لتأمين أحد مصادر النفط الرئيسية للإمبراطورية، وإنشاء طريق إمداد في زمن الحرب إلى الاتحاد السوفيتي عبر بحر قزوين.
وساهمت ساحات السكك الحديدية الجديدة والقاطرات الإضافية والمقطورات وعمال السكك الحديدية من ذوي الخبرة من بريطانيا والولايات المتحدة بزيادة هائلة في السعة خلال الحرب.
وفي عام 1941، كان بإمكان قطار شحن واحد فقط في اليوم استخدام الخط، لنقل أقل من ألف طن من الشحنات. ومع مرور عامين، ومع وجود فيلق النقل بالجيش الأمريكي (USATC)، ارتفع ذلك إلى 5400 طن في اليوم.
وعند انتهاء الصراع الأوروبي في الحرب العالمية الثانية في مايو/ أيار 1945، توقفت قوافل المساعدات لروسيا، وسلمت USATC السيطرة على السكك الحديدية العابرة لإيران إلى بريطانيا، والتي سرعان ما نقلتها إلى شركة سكك الحديد الإيرانية.
مستقبل السكك الحديدية الإيرانية
واليوم، رغم عقود من العقوبات الاقتصادية، تستثمر إيران بكثافة في توسيع وتحديث شبكة السكك الحديدية الخاصة بها. وتم الانتهاء من حوالي 1100 كيلومتر من السكك الحديدية الجديدة على مدى السنوات السبع الماضية، لربط عواصم المقاطعات بطهران.
وبدأ بناء أول خط سكة حديد عالي السرعة في البلاد في عام 2015، ليربط طهران بأصفهان عبر قم بسرعة تصل إلى 300 كم/ ساعة.
ويجري أيضًا إنشاء خط ثان فائق السرعة بين آراك وقم. ودُعم المشروعين بالخبرات الهندسية والائتمانية الصينية.
وفي أبريل/ نيسان 2020 ، تم توقيع صفقة بقيمة 3.56 مليار دولار لبناء خط كهربائي بطول 510 كيلومترات متفرع من سكة الحديد العابرة لإيران في الأهواز، ويعبر جبال زاغروس وصولًا إلى أصفهان.
وأصبحت الصين منخرطة بشكل متزايد في البنية التحتية الإيرانية كجزء من مبادرة “حزام واحد طريق واحد” التي تهدف إلى توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.
وفي عام 2015، كشفت الصين عن خطط لخط سكة حديد عالي السرعة بطول ألفين ميل من أورومتشي في مقاطعة شينجيانغ إلى طهران عبر عواصم كازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان.
وهناك أيضًا اقتراح لإعادة فتح خط مع أذربيجان وإنشاء ممر جديد بين إيران، وروسيا، وجورجيا.
وبعد أن وضعت اليونسكو السكة الحديدية العابرة لإيران على خريطة السياحة العالمية، يمكن أن يساعد ذلك في تقديم تمويل إضافي لأعمال الصيانة والترميم، ويفتح الأبواب أمام مشورة الخبراء والدراسات، ويحتمل أن يحقق زيادة كبيرة في أعداد الزوار.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن تهدد السياحة المفرطة البيئة ذاتها التي لفتت انتباه اليونسكو إليها في المقام الأول.
ومن غير المرجح أن يحصل ذلك لخط السكة الحديدية العابرة لإيران حتى الآن. ولا تزال تمثل زيارة إيران عرضًا صعبًا للعديد من الأجانب، ولا تزال العلاقات مع الدول الغربية متوترة.
ومع ذلك، يأمل ليتلر في العودة عندما تسمح الظروف بذلك، مستعيدًا زبائنه الأكثر ميلًا إلى المغامرة للاستمتاع بالمزايا الثقافية والهندسية للبلاد.