سوف تشكل ضمانات القروض، و الدعم المالي هذا العام حوالي 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
في تسعينيات القرن الماضي، بدا أن اليابان تقدم قصة تحذيرية ، كمثال على كيف يمكن أن تؤدي إدارة الاقتصاد الكلي الضعيفة إلى مشاكل كانت الحكومات الأخرى قد تعلمت منذ فترة طويلة تجنبها. بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حذر العديد من الاقتصاديين من تلك السياسيات. إتبعت دول أخرى من العالم الغني، مراراً وتكراراً، المسار الذي إتخذه قادة اليابان في جهودهم لدفع النمو الضعيف للأعلى، والتضخم المنخفض بشكلٍ مزمن، وأسعار الفائدة القريبة من الصفر. ساعدت تجربة اليابان الرائدة في الكشف عن أن حدود السياسة المتطرفة أبعد بكثير مما كان يعتقد الاقتصاديون في البداية. من الممكن أن يستمر البحث عن مثل هذا المسار. في نهاية شهر آيار الماضي، أعلنت الحكومة اليابانية عن خطط إنفاق يفترض أنها سترفع إجمالي الدعم المالي للاقتصاد هذا العام إلى 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ولأن هذه الإجراءات تشمل ضمانات القروض، فإن من المحتمل أن يصل عجز الميزانية إلى أقل من نصف ذلك. قد يدفع هذا الرقم الهائل الساسة الغاضبين في أماكن أخرى للهستيريا. ولكن حتى مع قيامه بذلك، فإن التطرف المالي الياباني يبين حدود ما يمكن أن يحققه الاقتراض الحكومي.
كانت تجربة إنتشار وباء كورونا في اليابان خفيفة بشكلٍ ملحوظ. على الرغم من تزايد أعمار سكانها وزيادة عدد المسنيين فيها، وإنتشار الإصابات بشكلٍ سريع في وقت مبكر من إنتشار الوباء، والتردد في فرض عمليات الإغلاق الصارمة، فإن معدل الإصابات المسجل هو من بين أدنى المعدلات في العالم الغني: 134 فقط لكل مليون، وهو أقل حتى من قصص النجاح الموصوفة على نطاقٍ واسع مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلندا. لقد بدأت اليابان معركتها ضد الآثار الاقتصادية للوباء من موقفٍ ضعيف بشكلٍ خاص. في معظم البلدان، سبب إنتشار الفيروس صدمة ضد الطفرة اقتصادية، لكن الانكماش الاقتصادي الياباني بدأ منذ العام الماضي. قامت الحكومة بفرض زيادة في ضريبة الاستهلاك في الخريف الماضي، كجزء من محاولة لإصلاح المالية العامة للحكومة، وأعقب ذلك تراجع حاد في الإنفاق. تقلص الإنتاج بمعدل سنوي قدره 7.1٪ في الربع الأخير من عام 2019، مقارنةً بالأشهر الثلاثة السابقة لذلك، وبنسبة 3.4٪ في الربع الأول من عام 2020. وكما هو الحال في معظم أنحاء العالم، فإن من المحتمل أن تكون وتيرة الانكماش أكثر دراماتيكية في الربع الثاني.
في مواجهة هذه التوقعات القاتمة، واصل بنك اليابان (وهو البنك المركزي الياباني) تقديم دعم نقدي استثنائي. قاد البنك الجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد الياباني منذ أن تسنم السيد شنزو آبي، رئيس الوزراء، منصبه في عام 2012. قيدت سياسة البنك للسيطرة على منحنى العوائد على السندات، التي تم طرحها في عام 2016، عوائد السندات الحكومية لمدة عشر سنوات بنسبة 0٪ (تتلقى هذه الفكرة بعض الدعم الآن في الولايات المتحدة). تحقق السندات ذات آجال الإستحقاق الأطول عائد أقل من 1٪. وكحال العديد من البنوك المركزية الأخرى، قدم بنك اليابان قروضاً طارئة للشركات الهشة الموقف. علاوة على ذلك، اشترى البنك ما قيمته 62 تريليون ين ياباني (أي حوالي 600 مليار دولار) من الأصول، مما رفع ميزانيته المتضخمة أصلاً إلى أكثر من 110٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الأمر الأكثر وضوحاً هو مدى الدعم المالي. كشفت حكومة السيد شنزو آبي في شهر نيسان النقاب عن إنفاق وضمانات بقيمة 117 تريليون ين ياباني، أو ما يقرب من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في واحدة من أكثر الاستجابات تطرفاً نحو إنتشار الوباء. ربما يشعر السيد شنزو آبي بضغط الشعب الذي أصبح مُحبطاً بشكلٍ متزايد من تعامل الحكومة مع الأزمة، فقد أعلن السيد شنزو آبي عن حزمة إنقاذ أخرى في أواخر شهر آيار، وهي بنفس حجم الحزمة الأولى تقريباً. ونتيجة لذلك، فإن تدفق أوراق الين الياباني الحمراء هذا العام سيشكل إختباراً لحدود هذه السياسات. ستصدر اليابان سندات حكومية بقيمة 40٪ تقريباً من حجم اقتصادها. لو بقيت كل الأمور الأخرى على حالها، فقد يُشكل الاقتراض ما يقرب من 60٪ من إيرادات الحكومة في عام 2020. ولا يمكن استبعاد حدوث برنامج إنفاق ثالث. قد يؤدي إرتفاع الاقتراض وانخفاض الإنتاج في الوقت نفسه بدفع مستوى إجمالي الدين الحكومي الياباني فوق المستوى الهائل بالفعل البالغ حوالي 240٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
تثاءبت الأسواق رداً على ذلك. ارتفعت أسعار الأسهم في اليابان بشكلٍ مطرد من أدنى مستوياتها في شهر آذار، ولا شك أنها تأثرت بالمشتريات واسعة النطاق التي قام بها بنك اليابان من أسهم الصناديق المتداولة في البورصة، ولكن كذلك ارتفعت مؤشرات الأسهم في معظم أنحاء العالم الغني. أدت تلك العمليات بالكاد إلى إرتفاع عائدات السندات الحكومية ويوضح الحد الأقصى لعائدات بنك اليابان ذلك الأمر بشكلٍ جزئي. لكن وتيرة شراء بنك اليابان للسندات الحكومية تباطأت منذ آذار ونيسان، لتصل إلى 5 تريليون ين فقط بين 20 و 31 آيار. كان وضع الين وضعاً جيداً بشكلٍ مدهش. في الوقت الحالي، لا يبدو أن المضاربين أصبحوا قلقين بشأن الاستدامة المالية لليابان أو خطر التضخم.
قد يكون عدم مبالاة المستثمرين بعمليات الاقتراض تلك بمثابة غوث لحكومات العالم الغني الأخرى التي تسعى إلى إعادة الحياة إلى اقتصاداتها. منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-2009، أصبح الاقتصاديون أكثر ارتياحاً لفكرة أن الاقتراض الحكومي واسع النطاق ضروري لمكافحة الضعف الاقتصادي. لكن المدى الهائل لإصدار سندات الدين من أجل الاستجابة لإنتشار فايروس كورونا يُخاطر بردع بعض الحكومات عن الاقتراض كما تحتاج فعلاً. لابد أن توفر تجربة اليابان الحميدة بعض الاطمئنان.
سقوط أقدام السيد آبي:
على الرغم من ذلك كله، فإن هناك خطر في الإفراط في تفسير دروس اليابان الرائدة. من المحتمل أن يحفز الإقتراض بنسبة 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي، الممول ضمنياً، إلى حدٍ كبير، عن طريق تسهيلات يقدمها البنك المركزي، المناقشات حول العالم حول مدى إمكانية استخدام الاقتراض المستمر لتمويل برامج اجتماعية سخية. ولكن على الرغم من كل الحوافز التي قدمت، فإن الاقتصاد الياباني يتحرك للأعلى بصعوبة بالغة. معدل الإنتاج للفرد في اليابان، بالقيمة الحقيقية، ليس بمستوى إستثنائي بمعايير العالم الغني.
في واقع الحال، كانت اليابان قادرة على الاقتراض كثيراً، الآن وفي أوقات أكثر هدوءاً في الماضي، لأن بقية قطاعات اقتصادها تنفق القليل جداً. تمثل المستويات العالية من الإدخار الصافي من قبل الأسر والشركات، أي أن مستوى الإدخار أعلى من مستوى الاستثمار، مشكلة مستمرة، وتمثل إستهلاكاً منسياً (أو يمتنع الناس عن القيام به) وقدرة اقتصادية غير مستخدمة. قد يكون التكوين السكاني لليابان مسؤول بشكلً جزئي عن ذلك. يميل الناس الذين تقترب أعمارهم من سن التقاعد للإدخار أكثر، وهذا بالتأكيد لا يشجع الشركات على القيام باستثمارات كبيرة في البلاد. لكن تقتير الشركات في مجال الاستثمار يمثل أيضاً فشل في عمليات الإصلاح وتحقيق الطموحات: أي عدم القدرة على الاستفادة الكاملة من قدرات البلاد وجاذبيتها للمهاجرين المُحتملين، على سبيل المثال. أبرزت اليابان لبقية العالم مساراً لصنع سياسات يبدو مُستداماً. لكن هذا لا يعني أنه يستحق ان يتم السير عليه بالحرف الواحد.
أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية*