عندما قرّرت سيرينيتي وانغ، منتجة البرامج لدى ، السفر خارج هونغ كونغ في أوائل شهر مارس/ آذار الماضي، كان عدد حالات الإصابة بفيروس “كوفيد-19” اليومية في المدينة قد تجاوز 50 ألف حالة، مع أعلى معدل وفيات في العالم.
لكنها كانت تحاول الذهاب إلى مدينة شنغهاي في الصين، أي مسقط رأسها، لأول مرة منذ أكثر من عامين.
وتعلم وانغ أن السفر من بؤرة تفشي للفيروس إلى منطقة ذات سياسة صارمة لمكافحة “كوفيد-19” سيكون أمرًا صعبًا.
واعتقدت أنها كانت مستعدة لجميع المتاعب والعقبات للعودة إلى شنغهاي، من فحوصات “كوفيد-19” التي لا حصر لها، وإجازة معتمدة من العمل، إلى الحجر الصحي الإلزامي في الفندق، وتكلفة السفر الباهظة.
ولم تكن تعلم أن التحديات كانت فقط في بدايتها.
ضغوط الطرف الثالث
وفي أواخر فبراير/ شباط الماضي، ظهرت شائعات مفادها أن شنغهاي خفضت عدد الرحلات الجوية القادمة من هونغ كونغ، وخفضت من سعة الركاب بنسبة 50% لكل رحلة.
ولم يتم الإعلان عن هذه السياسة بشكل رسمي، لكن رد الفعل كان سريعًا.
وعندما راجعت وانغ مواقع حجز تذاكر الطيران، لاحظت تواريخ الرحلات في المستقبل القريب تتحول إلى علامة غير متاح واحدة تلو الأخرى.
وفي أقل من ساعة، حجزت جميع المواعيد المتاحة في شهر مارس/ آذار بالكامل.
وفي حالة من الذعر، توجهت وانغ إلى وكيلة سفريات تعرفها.
وفي اليوم التالي، تواصلت وكيلة السفريات معها وعرضت عليها خيار السفر بتاريخ 8 مارس/ آذار إلى شنغهاي على متن رحلة شركة طيران هونغ كونغ، وسألتها بإلحاح: “هل تريدينها أم لا؟ اتخذي قرارك الآن، وإلا قد لا تتوفر لاحقًا”.
ولن تكن وانغ مرتاحة لاتخاذ قرار تحت الضغط، لكن عندما شاهدت سرعة نفاد التذاكر، قررت أن تختار الرحلة المتاحة.
وقبل ثلاثة أيام من موعد السفر، ألغيت رحلة وانغ. ولم تقدم شركة الطيران أي تفسير رسمي، ولكن طرحت نظرية شائعة مفادها أن ذلك كان نتيجة سيطرة شنغهاي الإضافية على الرحلات الجوية القادمة من هونغ كونغ حيث كانت المدينة تبلغ عن تفشي “كوفيد-19”.
حينها شعرت وانغ وكأنها محاصرة في حلقة لا نهاية لها.
مستغلو السوق والاحتيال
وبعد ذلك، توجهت وانغ إلى وكيلة سفريات أخرى تُدعى يو، والتي وجدتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتدير يو أعمالها فقط عبر منصة “وي تشات”، أي برنامج تواصل اجتماعي صيني للمراسلة الحرة.
واعتاد وكلاء تذاكر الطيران في الصين على بيع تذاكر مخفضة للغاية من شركات الطيران.
ولكن نظرًا لأن الصين تعزل نفسها بشكل أساسي عن العالم الخارجي وتقلص عدد المسافرين الوافدين، فقد تضاءلت الرحلات الجوية الدولية إلى نسبة 2% على الأقل من مستوى ما قبل الجائحة، وفقًا لإدارة الطيران الحكومية.
ومع ذلك، يستمر الطلب من الصينيين الذين يدرسون ويعملون في الخارج بالازدياد.
وقد أدى النقص الشديد في عدد الرحلات الجوية إلى الصين إلى تحويل هؤلاء العملاء إلى مستغلي السوق يعيدون بيع التذاكر المرغوبة بأسعار باهظة.
وسألت وانغ عن سعر “القسط” الذي ستدفعه مقابل حجز تذكرة خلال فترة شهر.
وأجابتها يو: “بصراحة، إنها باهظة الثمن حقًا هذه الأيام. أشعر أنها تتجاوز ميزانية الكثير من الناس”، وأضافت: “عادةً ما أحذر عملائي فورًا بعد استفسارهم”.
ولا يتعلق الأمر بالمال فقط، إذ تُباع التذاكر بشكل أساسي على منصات التذاكر العامة ولا يُمنح الوكلاء الأفضلية. ومع ذلك، ما يمكنهم فعله هو مراقبة نظام الحجز عن كثب والحصول على أي تذاكر متبقية بسرعة.
وأشارت يو إلى أنها اضطرت للعمل طوال الليل لمراقبة نظام التذاكر، لأن شركات الطيران تميل إلى “إسقاط بعض الحجوزات في وقت متأخر من الليل”.
وبالنسبة للتاريخ الذي خططت وانغ السفر فيه، فقد طُلب منها مبلغ 11 ألف يوان، أي حوالي 1650 دولارًا لعمل حجز جديد، وقد كان مبلغًا باهظًا لرحلة تستغرق ساعتين ونصف الساعة.
وتراوحت الأسعار الكاملة خلال عصر ما قبل جائحة فيروس كورونا بين 300 و450 دولارًا لكل رحلة.
لكن وانغ شعرت أنه ليس لديها خيار آخر، فوافقت على السعر ودفعت وديعة بقيمة 450 دولارًا، والتي قالت يو إنها ستعيدها إذا لم تستطع تأمين الحجز في غضون 24 ساعة.
ونظرًا لأن تذاكر الطيران ونتائج فحص “كوفيد-19” يتزامنان مع بعضهما البعض، فقد اقترحت يو أن تجري وانغ فحص “كوفيد-19” يوميًا على مدار الأسبوع بأكمله في حال وجدت أي مقاعد في اللحظة الأخيرة يمكن حجزها.
ولحسن الحظ، تمكنت يو من تأمين الحجز بتاريخ 8 مارس/ آذار، وقد أبلغت وانغ بذلك قبل 20 ساعة فقط من موعد المغادرة المقرّر. وفي الوقت ذاته تقريبًا، ظهرت نتيجة فحص PCR الخاص بها من اليوم السابق سلبية، وهكذا كانت وانغ جاهزة للسفر.
التذكرة ليست وعدًا
وفي يوم رحلة وانغ، كان مطار هونغ كونغ الدولي هادئًا بشكل لا يُصدق، مع توفر عدد قليل من نقاط التفتيش.
وعندما حان دور وانغ لتسجيل الوصول، قدمت جميع وثائق السفر المطلوبة بثقة، ووثيقة السفر الخاصة بها، وتقرير فحص “كوفيد-19″، ورمز الاستجابة السريعة المخصص للمسافرين المتجهين إلى البر الرئيسي.
مع ذلك، قال موظف شركة الطيران: “آسف سيدة وانغ. الرحلة ممتلئة. لا يمكنك أن تصعدي على متن الطائرة اليوم”.
وأضاف: “سلطات شنغهاي تسمح فقط بسعة 50% وهذه المساحة ممتلئة. لكن يمكننا التأكد من أنك ستستقلي رحلة الغد”.
وقدم موظفو شركة الطيران اعتذارًا لوانغ، ووعدوها أنها ستحصل على المقعد في الرحلة ذاتها في اليوم التالي.
وقالوا أيضًا إن بإمكانهم ترتيب فحص “PCR” في المطار على الفور حتى تتمكن من الحصول على التقرير المطلوب جاهزًا لليوم التالي.
ولم يكن لدى وانغ خيار سوى القبول، ومنحتها شركة الطيران أيضًا تعويضًا بقيمة 1000 دولار هونغ كونغي، ما يعادل 128 دولارًا أمريكيًا.
عندما يكون المال غير كاف
وفي اليوم التالي، تمكنت وانغ من ركوب الطائرة أخيرًا. وبدلاً من أن تشعر بالإثارة، شعرت بالحزن والتعب.
ورغم من كل المصاعب، كانت من بين المحظوظين الذين تمكنوا من العودة إلى الوطن.
وفي المجمل، أنفقت وانغ أكثر من 3000 دولار، إذ خسرت 160 دولارًا للحجز الملغى، ثم دفعت 1726 دولارًا مقابل حجز جديد، بالإضافة إلى 1130 دولارًا لفندق الحجر الصحي الإلزامي.
وفي بعض الحالات، حتى المال لا يمكنه شراء تذكرة من أجل العودة إلى الوطن.
وعلمت وانغ أن المحتالين كانوا يستهدفون الصينيين المغتربين ويستغلون يأسهم.
وكان سوق الطيران في الصين أشبه بساحة معارك منذ الأيام الأولى للجائحة.
وفي مارس/ آذار من عام 2020، أعلنت إدارة الطيران المدني الصينية أنها ستخفض عدد الرحلات الدولية إلى رحلة واحدة فقط في الأسبوع على مسار واحد لكل شركة طيران إلى الصين.
وأصدرت إدارة الطيران المدني في الصين لوائح بشأن تسعير الرحلات الجوية الدولية – وفرضت مراقبة الأسعار، وحظرت بعض وكلاء التذاكر، وعمليات النقل والتبادل، لكن السوق السوداء تواصل الازدهار.