يشكل البحر الأحمر في مصر أفضل فرصة لاستكشاف مجموعة من حطام السفن الأشهر في العالم، وقد لا تجد أي بلد آخر قادرًا على التباهي بمثل هذه التشكيلة الرائعة في منطقة محصورة نسبيًا، وفي ظروف ثابتة من المياه الدافئة الصافية.
ويكشف الزوجان والغواصان المصريان أحمد جمعة وريناتا روميو عن أحد أشهر حطام السفن في جنوب البحر الأحمر، أي القاطرة البحرية الصينية “Tien Hsing”، المعروفة باسم “أبو غلاوة كبير”.
وتقبع القاطرة البحرية “Tien Hsing” على عمق 18 مترًا مستلقية بشكل موازٍ نسبيًا للشعاب المرجانية، ودُفنت الدفة والمروحة جزئيًا في قاع البحر الرملي، وفقًا لمشروع توثيق حطام سفن البحر الأحمر.
واختفت جميع الأجزاء الخشبية من القارب منذ زمن طويل، تاركًة خلفها الهيكل الفولاذي المغطى الآن بالشعاب المرجانية الصلبة والناعمة.
ولا تزال عارضة القاطرة سليمة ويمكن السباحة بينها وبين الشعاب المرجانية.
وتُوضح روميو في مقابلة مع موقع CNN بالعربية أن ماساة هذه القاطرة البخارية تُعد واحدة من أفضل أسرار التاريخ المحفوظة، مشيرًة إلى أن عملية بنائها تعود إلى عام 1935 في مدينة شنغهاي بالصين، وفي عام 1943، أي خلال الحرب العالمية الثانية، كانت تُبحر في رحلة من مدينة السويس إلى مدينة مصوع في إريتريا، عندما جنحت وغرقت في الشعاب المرجانية بشعب “أبو غلاوة كبير” لأسباب مجهولة.
وتحولت هذه المأساة إلى وجهة ساحرة للغواصين، حيث حطام ساحر مغطى بالشعاب يسهل استكشافه، على الرغم من أنها تُعد تجربة حصرية للغواصين من ذوي الخبرة فقط.
ولمدة 79 عامًا، تستلقي القاطرة تحت الماء، وتُعد واحدة من بين أكثر حطام السفن ثراءً بالشعاب المرجانية ثراءً، إذ تبرز النباتات البحرية في جزء منها بشكل غاية في الكثافة، بحيث يصعب تمييزها عن الشعاب المرجانية مما يوفر مشهدًا ساحرًا، على حد تعبير روميو.
ويصف جمعة حطام “أبو غلاوة كبير” بأنه مغطى كليًا بالشعاب المرجانية الصلبة التي يمكن من خلالها رؤية الهياكل الفولاذية للقاطرة، لافتًا إلى أن القوس يبدو وكأنه أصبح جزءًا من الشعاب المرجانية، حسبما ذكره.
ويشير إلى أن كل هذه المشاهد للشعاب المرجانية الصلبة والناعمة على الهيكل توفر عنصر فوتوغرافي رائع.
أما عن كيفية الوصول إلى موقع الحطام، يشرح جمعة أن منطقة شعب “أبو غلاوة هي عبارة عن شعاب مرجانية معزولة تقع على بعد حوالي 16 كيلومترًا من مدينة حماطة، ويمكن الوصول إليها بواسطة قارب طراز ليفيبورد من الغردقة ومرسى علم، أو عن طريق القارب السريع من وادي اللحمي على بعد حوالي 40 دقيقة من القاعدة البرية”.
وذهب الثنائي جمعة وروميو هناك للغوص معًا على متن قارب سريع من وادي اللحمي حيث كانا يقضيان بعض الأيام في الغوص حول المنطقة الجنوبية.
وتصف روميو أن تجربة الغوص بين حطام السفن التي تعود إلى أزمنة الحرب تحمل معها مشاعر مرتبطة بمأسي ويأس وألم الكثيرين من البحارة الذين فقدوا حياتهم هناك.
وتشير روميو إلى أن الإثارة تكمن في الغموض الذي يلف هذه القاطرة الغارقة، إذ لا يوجد الكثير من التفاصيل عن قصتها، وتحت أي ظروف كان غرقها، أو مصير من كانوا على متنها.
وتضيف: “نحن محظوظان لأننا تمكنا من الغوص بمثل هذه المواقع التاريخية”.
وداخل الحطام، حيث يمكن الدخول من خلال باب ضيق، يمكن رؤية غرفة المحرك البخاري المكون من 3 أسطوانات وشبكة الأنابيب.
وكما هو الحال في غالبية مواقع حطام السفن، يمكن العثور على العديد من الأسماك، مثل أسماك الكاردينال، أو الأسماك الزجاجية التي تحتمي داخل هذه المساحات المظلمة.
ولم تخل هذه التجربة من الصعوبات بالنسبة للثنائي، إذ كانت رحلتهما مضطربة إلى حد ما بسبب ظروف الطقس الذي لم يكن مناسبًا في ذلك اليوم، ولم يتمكنا من القيام إلا بغوص واحد سريع، إذ كان عليهما الانتقال إلى موقع آخر لإجراء رحلة الغوص التالية.
وتحت الماء، خارج الحطام، كان على الثنائي الانتظار بعض الوقت حتى يبتعد الغواصون الآخرون في مجموعتهم من أجل عملية التوثيق.
وتشير روميو إلى أن الدخول إلى الحطام كان أمرًا صعبًا للغاية باستخدام جميع معدات التصوير الخاصة بنا، كما كان عليهما توخي حذر شديد بعدم رفع الطمي بتحركاتهما.
وتضيف: “كانت بعض قطع الحطام بالداخل حادة، وكان علينا التحرك بحذر شديد حتى لا تصطدم بأجسادنا ونتعرض للإصابة”.
وترى روميو أن “أبو غلاوة” يُعد موقعًا رائعًا، إذ يوفر فرص للغوص بالقرب من الشعاب المرجانية، ويمكن للغواصين المبتدئين الاكتفاء بمشهد الحطام المثير حتى من الخارج فقط.
ولا يسع للثنائي إلا أن ينصحا بالتحقق من حالة الطقس قبل التخطيط للغوص هناك، والاستمتاع بالأجواء الساحرة للحطام وحدائقه المرجانية.