انخفض الجنيه البريطاني بنسبة 5٪ مقابل الدولار الأمريكي منذ يوم الجمعة، حين أعلن وزير المالية كواسي كوارتنج رسميًا عن الخطط، ليصل إجمالي خسائره 21٪ حتى الآن خلال هذا العام. وعلى سبيل المقارنة، فقد انخفض اليورو بنحو 15٪ مقابل الدولار خلال نفس الفترة.
لا ينتهي الاضطراب عند هذا الحد، فقد تسابق المستثمرون للتخلص من سندات الحكومة البريطانية لأنهم قلقون بشأن الـ 72 مليار جنيه إسترليني (77 مليار دولار) الإضافية للاقتراض المستحق قبل أبريل. لقد قفز العائد على دين الخمس سنوات والذي يتحرك بأسعار معاكسة من حوالي 3.6 إلى أكثر من 4.4٪ خلال جلستي التداول الماضيتين، وهي قفزة نوعية في ركن من أركان العالم المالي الذي يسجل عادةً تحركات في أجزاء صغيرة من النسبة المئوية.
قال بنك إنجلترا في بيان طارئ إنه “يراقب التطورات في الأسواق المالية عن كثب”، بينما قالت وزارة الخزانة البريطانية إن خططًا لضمان استدامة المالية الحكومية ستصدر في وقت لاحق من هذا العام.
ولكن قد لا ينهي ذلك الفوضى التي لن تقتصر عواقبها على الأسواق. يعتبر انخفاض الجنيه خبرًا سيئًا بالنسبة لاقتصاد قد يكون بالفعل في حالة ركود، لأنه يجعل استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود أكثر تكلفة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم لعقود من الزمن والتي سوف تؤدي إلى أزمة غلاء معيشة لملايين من الأسر.
سيتعرض بنك إنجلترا نتيجة ذلك لضغوط رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر وأسرع، مما يؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد، ويقلل من أموال الشركات للاستثمار والمستهلكين للإنفاق.
قال تورستن بيل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “ريزوليوشن”، وهي مؤسسة فكرية تركز على تعزيز مستويات المعيشة للأسر ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط: “هذا تذكير مؤلم بأن السياسة الاقتصادية ليست لعبة.”
لماذا يعتبر انخفاض الجنيه خبرًا سيئًا
لقد سجل الجنيه أدنى مستوى قياسي له مقابل الدولار يوم الاثنين، منخفضًا لحوالي 1.03 دولار قبل أن يتعافى إلى ما يقرب من 1.07 دولار.
قد يكون فقدان العملة لقيمتها مفيدًا للمصنعين، فقد يجعل ذلك صادراتهم أرخص. ولكن بالنظر إلى المناخ الاقتصادي الأوسع نطاقاً، فقلة هم الذين يعتبرون هذا الانخفاض الحاد تطوراً إيجابياً.
يكمن أحد أكبر المخاوف في دفع ثمن الواردات، وتعتبر تكلفة الطاقة مصدر قلق خاص مع برودة الطقس.
نظرًا لأنه يتم دفع ثمن السلع بالدولار عادة، فسوف يؤدي ارتفاعه وانخفاض الجنيه الاسترليني إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستوردين في المملكة المتحدة. وفي حين تتسابق الدول الأوروبية لتخزين الغاز الطبيعي في الوقت الذي تحاول فيه تقليل اعتمادها على روسيا، تفتقر المملكة المتحدة إلى سعة تخزين مماثلة، مما يجعلها أكثر عرضة لأسعار السوق السائدة.
بالإضافة للارتفاع السريع في تكاليف الاقتراض للحكومة والشركات والأسر، يتوقع المستثمرون أن بنك إنجلترا سيحتاج إلى زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر بكثير للسيطرة على التضخم. وهم الآن بصدد رفع الأسعار إلى حوالي 6٪ بحلول الربيع المقبل.
لم تكن المعدلات مرتفعة إلى هذا الحد منذ العام 2000. بالنظر إلى أن البنك المركزي بدأ برفع الفائدة في ديسمبر، عندما كانت أسعارها عند 0.1٪، فإن ذلك يمكن أن يتسبب في حدوث انتكاسة اقتصادية كبيرة.
قال بيل: “لقد أضافت الزيادة في توقعات أسعار الفائدة بالفعل 1000 جنيه إسترليني أخرى سنويًا إلى الزيادة القادمة في الرهون العقارية لمقترض عادي، في حين أن انخفاض الجنيه الإسترليني يعني أن الواردات الأكثر تكلفة تتغذى على ارتفاع التضخم.” وأضاف أن الأشخاص الذين يعيشون في المملكة المتحدة سيشهدون نتيجة لذلك انخفاضًا في مستويات المعيشة.
الهدوء مطلوب
دفع الاضطراب في الأسواق المالية بنك إنجلترا يوم الإثنين ليقول إنه سينظر في تأثيرات خطط الحكومة على التضخم في اجتماعه المقبل المقرر عقده في نوفمبر، ولن يتردد في تغيير أسعار الفائدة حسب الضرورة.
أصدر البنك تعليقاته بعد فترة وجيزة من قول وزارة الخزانة البريطانية إن كوارتنج سيحدد خططًا لضمان استدامة ديون المملكة المتحدة على المدى المتوسط في 23 نوفمبر، وأنه سيُطلب من هيئة مراقبة الميزانية في البلاد إصدار توقعات محدثة في ذلك الوقت.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه التعليقات ستكون كافية لتقليل القلق بين المستثمرين بشأن نهج الحكومة غير التقليدي.
ما الذي سيحدث الان؟
يعتقد مجتبى رحمن، العضو المنتدب لأوروبا في مجموعة أوراسيا الاستشارية، أنه من غير المرجح أن يغير كوارتنج ورئيسة الوزراء ليز تروس المسار على الرغم من رد الفعل الصارخ من المستثمرين.
قال رحمن: “سيحاولون في الوقت الحالي تجاوز العاصفة”.
يترك ذلك الأسواق تتطلع إلى بنك إنجلترا للتدخل لوقف النزيف.
قال جيمس أشلي، رئيس إستراتيجية السوق الدولية في Goldman Sachs Asset Management: “أعتقد أن السياسة النقدية ستكون العامل الحاسم في المدى القصير.”
لم يعط البنك المركزي أي مؤشر على أنه سيرفع أسعار الفائدة خارج جدول اجتماعاته المعتاد. قال جيمس روسيتر، من TD Securities، إن بنك إنجلترا ربما يناقش هذا الخيار، لكنه قد يكون قلقًا من أنه قد يؤدي إلى مزيد من الضرر بمصداقية المملكة المتحدة بين المستثمرين الأجانب.
وأشار إلى أنه من المعتاد أن تتدخل البنوك المركزية في الأسواق الناشئة للدفاع عن عملات بلادها، رغم تدخل اليابان الأسبوع الماضي لدعم الين للمرة الأولى منذ 24 عامًا.
يكاد يكون من المؤكد أن بنك إنجلترا سيكون أكثر صرامة في المضي قدمًا، خاصة وأن رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة والذي تم الكشف عنه الأسبوع الماضي يبدو الآن ضئيلًا للغاية. وقال الخبير الاقتصادي محمد العريان، مستشار Allianz، لـ BBC إن البنك المركزي يجب أن يرفع أسعار الفائدة “بمقدار نقطة مئوية كاملة لمحاولة استقرار الوضع.”
في غضون ذلك، قد تستمر مشكلة جوهرية في إثارة التقلبات. فبينما تريد حكومة تروس تعزيز الطلب للتخلص من الركود هذا الشتاء، يحاول بنك إنجلترا تهدئة الاقتصاد حتى يتمكن من ايقاف أسرع الزيادات في الأسعار بين دول مجموعة السبع.