هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب “بيكر ماكنزي-حبيب الملا” للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة. إن الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أثارت الصفقة التي أبرمتها شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك مع ائتلاف يضم عددا من كبار المستثمرين العالميين في مشاريع البنية التحتية وصناديق الثروة السيادية والمعاشات اهتمام المتابعين في مجال الاستثمار والمال والأعمال. وتتلخص الصفقة في قيام أدنوك بالاتفاق مع كل من جلوبال إنفراستركشر بارتنرز وبروكفيلد لإدارة الأصول وصندوق الثروة السيادية السنغافوري ومجلس صندوق معاشات التقاعد لمعلمي مقاطعة أونتاريو وإن إتش للاستثمار والأوراق المالية وسنام الإيطالية لاستثمار مبلغ 20.7 مليار دولار أمريكي في مجموعة من أصول أنابيب الغاز التي تمتلكها أدنوك.
وبموجب الاتفاقية سيحصل شركاء الائتلاف مجتمعين على نسبة 49% في شركة تم إنشاؤها حديثا بينما تمتلك أدنوك حصة الأغلبية بواقع 51%. وتمتلك هذه الشركة الجديدة حقوق استخدام 38 من خطوط الأنابيب بطول إجمالي يبلغ 982.3 كيلومترا. وبموجب الاتفاقية ستقوم الشركة الجديدة “أدنوك لأنابيب الغاز” باستئجار الحصة التي تمتلكها أدنوك في مجموعة من أصول أنابيب نقل الغاز لمدة 20 عاما مقابل الحصول على حق استخدام تلك الأصول بتعرفة تستند إلى الكميات. وتحقق هذه الاتفاقية عائدات فورية لأدنوك تبلغ 10 مليار دولار أمريكي. وتمثل أكبر استثمار في البنية التحتية للطاقة في العالم لهذه السنة.
وتتيح هذه الاتفاقية لأدنوك الاستفادة من تحويل أصول مجمدة إلى أصول تدر إيرادا وتمثل بديلا ممتازا عن طرق الاقتراض التقليدية ومؤشرا على الثقة في اقتصاد الإمارات ونموذجا لاستقطاب استثمارات إضافية في المستقبل.
وتأخذنا هذه الصفقة إلى استعراض وضع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة وتحديدا في دولة الإمارات كنموذج لذلك. إذ تتبوأ الإمارات المرتبة الأولى عربيا والـ 27 عالميا فى حجم الاستثمارات الأجنبية بإجمالي استثمارات قدرها 10.4 مليار دولار أمريكي، وفقا لتقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الصادر عام 2019 لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” مستحوذة على 36% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مجموعة الدول العربية، والمرتبة الثانية على مستوى منطقة غرب آسيا، مستحوذة على نحو 33.4% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى هذه المنطقة. ويظل قطاع النفط والغاز والتعدين الهدف الرئيسي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المدى القصير والمتوسط. إلا أنه في ظل جائحة كورونا فإنه يتوقع انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حتى على المستوى العالمي بأكثر من 40% هذا العام ليصل إلى نحو تريليون دولار فقط مقارنة مع 1.5 تريليون في العام 2019. وقد تستغرق عودة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا ما بين عامين إلى 3 سنوات.
قوانين الاستثمار الأجنبي:
يحكم الاستثمار الأجنبي في دولة الإمارات المرسوم بقانون اتحادي رقم 19 لسنة 2018. ويعتمد القانون في منهجيته على اعتماد قائمة إيجابية يسمح فيها للمستثمرين الأجانب بتملك نسبة 100% في رأسمال المشاريع التي ترد في القائمة. وكان مجلس الوزراء في دولة الإمارات قد اعتمد تطبيق قرار القائمة الإيجابية الأولى والتي تضم 122 نشاطا رئيسيا وفرعيا ضمن ثلاثة قطاعات رئيسية هي الزراعة والصناعة والخدمات من التي تساهم في مجالات البحث والتطوير وتستقطب التكنولوجيا والخبرات العالمية.
ووفقا لتصريح نشرته وكالة أنباء الإمارات بتاريخ 4 مارس 2020 لمعالي المهندس سلطان المنصوري وزير الاقتصاد فإن المزايا التي يتيحها قانون الاستثمار الأجنبي في دولة الإمارات يمكن تلخيصها في الآتي:
– نسبة تملك 100%
– إجراء التحويلات المالية خارج الدولة.
– ضمان عدم الحجز على أموال المشروع أو مصادرتها إلا بحكم قضائي.
– ضمان عدم نزع الملكية إلا للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل.
– ضمان حق الانتفاع بالعقارات.
– ضمان سرية المعلومات الفنية والاقتصادية والمالية.
– امتيازات إضافية مثل إدخال شريك ونقل الملكية وتعديل عقد التأسيس.
ولو قمنا باستعراض هذه المزايا لوجدنا أن بعضها لم يعد يشكل المتطلبات الحديثة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي. فضمان عدم الحجز على أموال المشروع أو مصادرتها إلا بحكم قضائي كان ميزة حقيقية، ولكن في السبعينيات والثمانينيات بعد موجة التأميمات الاشتراكية التي حدثت في بعض دول العالم حينها. إلا أن هذه الموجة من التأميمات انتهت مع نهاية الألفية المنصرمة وأصبحت معظم دول العالم تقبل بل ترحب بفكرة المشاركة مع رأس المال الأجنبي في المشاريع الوطنية. أما ضمان عدم نزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل فقد نصت عليها المادة 21 من دستور دولة الإمارات الصادر عام 1971 وعليه فإن النص على مثل هذه الضمانة في قانون الاستثمار لم يأت بجديد. وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المحفزات الواردة في القانون فمعظمها يعتبر من الأمور المكتسبة التي لا ينازع فيها سواء للمستثمر الوطني أو الأجنبي.
والميزة الحقيقية الواردة في القانون هي تملك المستثمر الأجنبي للمشروع بنسبة 100٪ من رأس المال. وبالنسبة لهذه الميزة فإن دولة الإمارات قد تأخرت كثيرا فى تحرير هذا القيد حيث إن دولا في المنطقة قد فتحت باب الملكية الأجنبية بنسبة 100% منذ سنين. وكنت قد دعوت إلى فتح باب التملك الأجنبي في بعض المشاريع التجارية في مقال نشرته في جريدة الخليج الإماراتية عدد 9 يناير 1997.
إن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تحتاج إلى أكثر من مجرد تعديل نسبة الملكية الأجنبية في المشاريع، إذ يجب تبني منهج متكامل لآليات تنشيط الاستثمار الأجنبي فهناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية إضافية تعالج العوائق الاستثمارية بدءا من استكمال إصلاح البيئة التشريعية بحيث تصبح أقل تعقيدا وأكثر شفافية وتطوير الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال ومرونة سوق العمل ومكافحة البيروقراطية وزيادة الشراكة مع القطاع الخاص. فمن معوقات استقطاب الاستثمار الأجنبي مثلا عدم كفاية وتوافر المعلومات والبيانات عن قطاعات الاقتصاد في الإمارات والتي من شأنها أن تساعد على اتخاذ القرارات التجارية والاقتصادية. فمعظم الأرقام المتاحة إما مجملة وإما غير كافية لاتخاذ قرار استثماري مؤسسي سليم.
ومن العوامل المهمة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية بشكل عام سهولة وسرعة إجراءات التقاضي والثقة فى آليات فض المنازعات. فوفقا لدراسة أعدتها غرفة الرياض حول المحفزات والتحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي في المملكة أوضحت أن أهم العوائق والتحديات التي تواجه بيئة الاستثمار الأجنبي في المملكة طول فترة إنهاء المنازعات التجارية بين المستثمرين وخصومهم من الجهات العامة أو الخاصة.
ومن الأمور التي تساعد كذلك على استقطاب الاستثمارات الأجنبية سهولة وكلفة ممارسة الأعمال. فرغم تبوأ الإمارات مركزا متقدما في سهولة ممارسة الأعمال إلا أن تكلفة إنشاء الأعمال وممارستها تعد عالية نسبيا مقارنة بدول المنطقة الأخرى. ومع تمتع الإمارات ببنية رقمية متطورة، بل لعلها الأكثر تطورا في المنطقة إلا أن هناك بعض الممارسات التي لا تزال تعوق تطور الأعمال وبالتالي تعيق تنافسية الإمارات في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، منها مثلا حظر المكالمات على الإنترنت الـ VOIP وهي أمور مسلم بها في معظم دول العالم.
ومن الأمور التي يجب الالتفات إليها كذلك مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص. فقد توسع القطاع العام في الفترة الأخيرة بحيث أصبح منافسا رئيسيا للقطاع الخاص حتى في المشاريع غير الإستراتيجية مما يقلل فرص الاستثمار المتاحة. والمطلوب ليس تفادي مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص فقط بل ترك المنافسة بين الجميع بدون دعم لأي من الطرفين لتحقيق أفضل منفعة للحكومة.
إن دولة الإمارات تمتلك مزايا عديدة لاستقطاب أفضل الاستثمارات الأجنبية من بنية تحتية متطورة واستقرارا سياسيا مستداما وموقعا استراتيجيا فريدا وسعر صرف ثابت غير خاضع للتقلبات… وما تحتاجه فقط هو تحسين بيئة الأعمال وتطوير التشريعات المتعلقة بإدارة الأعمال فيها.