التوازن داخل المؤسسات الأمنية.. خطوة نحو بناء الدولة
مقال للصحفي : وسام رشيد الغزي
التمثيل العادل والمهني داخل مؤسسات الدولة، لا سيما الأجهزة الأمنية والعسكرية، يعدُّ أحد ركائز بناء الدولة الضامنة لحقوق الجميع في الشراكة، والمساهِمة في صياغة القرارات، وإعداد السياسات انطلاقا من الشعور بالمسؤولية التي تتطلب حضور الجميع بكافة التشكيلات والهيئات، لا سيما الأمنية منها.
الترابط (الضروري واللازم) بين الشعور بالمسؤولية وتوحيد الصف والانطلاق نحو الأهداف الوطنية (المتفق عليها) يتطلب هامش لا بأس به من الثقة بين ممثلي المكوّنات، إذ ستشكل إطار ثابت ورصين للعمل بروح الفريق المنسجم، والواعي لأهمية تشييد دولة المواطنة، بكل تفصيلاتها وتشعباتها وعناوينها العامة.
الفرق بين بناء الدولة وبناء السلطة واسع وعميق، فعملية بناء الدولة تتطلب تعزيز المشتركات، ووضع برامج تخدم الجميع، دون تفعيل لرمزية المكون على حساب هوية الدولة، والصورة النهائية التي يجب أن يراها المواطن بمختلف مسمياته هي صورة الوطن.
أَقر الدستور العراقي لعام 2005 النافذ حق التمثيل لكل أطياف الشعب العراقي بمختلف المؤسسات العسكرية والأمنية للدولة العراقية، وتضمن الأعراف المتبعة منذ تأسيس المؤسسة العسكرية في عام 1921 م احترام التوازن في حضور المكونات، والتناسب في توزيع خارطة التمركز في الوحدات على أسس مهنية وفنية، وفق معايير تكافؤ الفرص في تولية القيادات، ولغاية نهاية العقدين الأخيرين بفترة حكم النظام السابق لم تكن هناك مشاكل عملية مهمة تذكر في هذه الجوانب.
وبعد التغيير في عام 2003 وإعادة تشكيل الجيش العراقي، وباقي الأجهزة الأمنية، التي تمت على عجالة، ولضرورة (الحاجة الأمنية)، لم ترعى فيها التمثيل العادل – وربما المناطقي أيضاً – لعدة اعتبارات أبرزها الحرب ضد الإرهاب والتداخل الإقليمي والطائفي في المدة 2004 – 2006 مما أدى الى التذمر في كثير من الأحيان، وعلى منصات الإعلام وبشكل علني، ليشكل ذلك – من ثم – عامل حقيقي لعدم الاستقرار، وتهديد مباشر لركائز ومقومات بناء الدولة العراقية.
ولم تتحرك الحكومات المتعاقبة بشكل جدي وفعلي لمعالجة هذه القضية التي تحولت لهاجس يؤرق الكثير من أبناء المناطق (الشمال الغربي) للعراق، مما ولّد شعوراً متزايداً بالنقمة التي أدت الى أن تكوين صورة قاتمة لشكل الكثير من تلك (التشكيلات) التي تبلورت بشكل واضح بعد الانهيار الكبير وغير المبرر أمام ضربات العناصر الإرهابية عام 2014، تلك النكسة التي إن أردنا تقييمها بشكل جاد، وتجرد، فلا بُد من مكاشفة صريحة تتشخص فيها الأخطاء.
ومع وجود قوات البيشمركة الكردية، (حرس للإقليم حسب الدستور العراقي)، واطلاق فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، والشروع بتشكيل هيئة الحشد الشعبي، في المناطق الوسطى والجنوبية، وتأسيس الحشد العشائري في المحافظات التي طالتها أيادي الإرهابيين، فرض هذا الواقع الجديد، والنتائج فيما بعد، ضرورة لإعادة النظر في موازنة تلك التشكيلات من الناحية العدد والقيادات، موازنتها بمنظور وطني عابر للمسميات الضيقة والشعارات التي سئِم المواطن من تكرارها دون تحقيق أي منجز.
وبالعودة لبناء دولة المواطنة، الكيان الذي يشترط العدالة كأساس لقيام المؤسسات القادرة على حماية البلاد، وفي ظل مفاهيم جديدة أفرزتها الحركة الاحتجاجية، ودخول عامل جديد هو الشباب المتطلع لإعادة صياغة الخطاب الوطني على وفق معطيات مصلحة الوطن، وتصحيح المسارات، بروح متجددة، وهِمة عالية، فإن هذا المشروع (بناء دولة المواطنة) ينشد إعادة ترتيب وتأهيل الكثير المؤسسات الأمنية، لفرض الاستقرار الأمني كعامل رئيس في تجنيب البلاد مزيداً من الاحتقان، ولإزالة آثار عدم الاستقرار التي استمرت طويلاً دون مراجعة حقيقية تقود لنهضة أمنية واقتصادية وعمرانية وعلى كافة الصُعد.