تستمر الإنفلونزا بانتشارها المبكر والسريع العابر للولايات المتحدة، لكن هناك بعض الأخبار التي تبعث على الأمل بشأن مواسم الأنفلونزا مستقبلًا.
وفي خطوة مهمة، أعلن باحثون أخيرًا أنهم تمكنوا من تحصين الحيوانات ضد جميع سلالات فيروس الإنفلونزا “أ” و”باء” العشرين المعروفة، ما يمثل خطوة طموحة باتجاه تحقيق هدف التوصّل للقاح موحّد يكافح جميع أنواع الإنفلونزا.
وتعمل لقاحات الإنفلونزا الحالية على تحفيز الجسم للحماية من أربع سلالات: سلالتان من الإنفلونزا أ، وسلالتان من النوع باء.
وتخضع تركيبة هذه اللقاحات للتغيير كل عام تحسبًا لعدم معرفة أي السلالات ستتسبّب بالمرض لدى معظم الناس خلال الموسم المقبل.
ومن المعروف أنّ سلالات معينة تنتشر بين البشر، لكن الكثير منها ينتشر بين الحيوانات، ويخشى العلماء من أن هذه الفيروسات قد تنتقل إلى البشر، ما يعرضنا فجأة لفيروسات لم تشهدها أجهزة مناعتنا من قبل.
من هنا يأتي دور لقاح الإنفلونزا الموحد.
وتتمثّل الفكرة في أن هذه الجرعات متعدّدة التكافؤ يمكنها أن تهيّئ الجسم للتعرّف على هذه الفيروسات، في حال انتقال أيّ منها إلى البشر، ما يساعد على الحد من المرض الشديد والوفاة.
وهناك العديد من لقاحات الإنفلونزا الموحدة التي تخضع لمراحل مختلفة من التطوير والفحص، ضمنًا واحد من قبل المعاهد الوطنية للصحة.
وبالنسبة للدراسة الحالية، استخدمت الجرعة التجريبية فقط على الفئران والقوارض، ونشرت النتائج الشهر الماضي في مجلة Science.
ويوضح الباحثون أن عملية صنع اللقاح تتم وفقًا لمعايير الجودة البشرية، ويهدفون إلى تجربته على الأشخاص خلال عام 2023.
وفي حال نجحت هذه الاختبارات، يأمل الباحثون بأن يوفر اللقاح الحماية لمتلقيه في حالة حدوث سلالة وبائية أخرى من الأنفلونزا.
تطبيق تقنية الحمض النووي الريبي المرسال
لصنع اللقاح، اعتمد الباحثون على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال ذاتها المستخدمة في صنع لقاحين من اللقاحات المضادة لكوفيد-19
بدأ العلماء بإجراء هذه التجارب عام 2017، أي قبل سنوات من إنتاج أول جرعات مضادة لفيروس كوفيد-19
وفي الواقع، هذا البحث ساعد بوضع حجر الأساس لصنع لقاحات “كوفيد-19”.
وفي خضم البحث عن لقاح موحد للإنفلونزا، درس العلماء بعناية فيروسات الإنفلونزا، من خلال البحث عن تركيب هيكلي مشابه بين السلالات.
وتمثّل نهجهم في إمكانية العثور على منطقة أو اثنتين لا تتغيران كثيرًا من هيكل سلسلة إلى أخرى، يمكنهم بذلك تدريب جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة ضد هذه المناطق وحماية الناس من العديد من الفيروسات في الوقت عينه.
وأثبت هذا النهج أنه صعب، وفقًا للدكتورة جينيفر ناياك، اختصاصية أمراض الأطفال المعدية التي تدرس الاستجابات المناعية للأنفلونزا لدى المركز الطبي بجامعة روتشستر، غير المشاركة في البحث الجديد.
وأوضحت ناياك أنّه بين سلالات الإنفلونزا العشرين المعروفة، “هناك بعض المناطق المشتركة بينها جميعًا، لكنها قليلة ومتباعدة”.
وأشارت إلى أنّ هذه المناطق ليست ما يمكن تسميتها بالسائدة المناعية. وفي بعض الأحيان، يقوم الجهاز المناعي بالاستجابة للمناطق التي تختلف بين الفيروسات، وليست تلك التي تتشابه.
لذا، حاول الفريق الذي يعمل على اللقاح الجديد، بقيادة باحثين بمعهد المناعة في جامعة بنسلفانيا، بتجربة نهج مختلف.
ويتضمن اللقاح تعليمات وراثية لصنع بروتينات الراصة الدموية لكل من سلالات الإنفلونزا العشرين.
وتُستخدم الراصة الدموية لتحديد المستضدات الموجودة على سطح كريات الدم الحمراء.
إثبات المفهوم
الراصة الدموية بروتين يلتصق بسطح فيروسات الأنفلونزا، يشبه إلى حد كبير البروتينات الشوكية الموجودة على سطح فيروس سارس-كوف-2، وفقًا لسكوت هينسلي، كبير مؤلفي الدراسة الجديدة وعالم الأحياء الدقيقة لدى معهد Penn لعلم المناعة.
وقال هينسلي: “وجدنا أن هذه اللقاحات تنتج مستويات عالية جدًا من الأجسام المضادة ضد جميع الأنواع الفرعية العشرين”.
قبل أن يحاول الباحثون ذلك، قاموا بتطعيم مجموعات من الفئران بكل مستضد أرادوا تضمينه في اللقاح للتأكد من أن كل منها ينتج استجابة مناعية، ثم أخذوا تلك التعليمات الجينية ودمجوها بجرعة واحدة.
وإجمالاً، تضمنت الجرعة 50 ميكروغرامًا من الحمض النووي الريبي المرسال، بجرعة قدرها 2.5 ميكروغرامات عن كل سلالة من سلالات الإنفلونزا العشرين.
واختبر الباحثون الجرعة في الحيوانات التي لم تتعرّض أبدًا للإنفلونزا، وفي الحيوانات التي سبق أن أصيبت بفيروس إنفلونزا H1N1 مماثلة أو مختلفة عن تلك الموجودة في الجرعة.
كان القصد من ذلك إظهار إذا كانت الجرعة تعزز بشكل انتقائي الأجسام المضادة لسلالات الإنفلونزا التي تمتلكها الفئران في ذاكرتها المناعية، وهي ظاهرة تسمى البصمة.
ويشير العلماء أن الجرعة عززت الأجسام المضادة لسلالات الإنفلونزا التي تعرضت لها الفئران من قبل، لكنها لم تأت على حساب إنتاج أجسام مضادة جديدة لبروتينات فيروسية لم تكن مألوفة لجهاز المناعة لدى الحيوانات.
الحماية من الأوبئة في المستقبل
وقال هينسلي: “يتوقع أن يحفز لقاحنا نوعًا من المستوى الأساسي للمناعة الذي من شأنه أن يمنع العدوى الشديدة والوفاة والاستشفاء”. ولن يمنع اللقاح بالضرورة الناس من الإصابة بالأنفلونزا.
وأشاد العلماء غير المشاركين في الدراسة بالفكرة، لكنهم أكدوا على ضرورة تكرار النتائج عند البشر.
من جهتها قالت الدكتورة كاثي نيوزيل، مديرة مركز تطوير اللقاحات والصحة العالمية بكلية الطب في جامعة ميريلاند: “أعتقد أن هذا دليل علمي على المفهوم، وهو حقًا مبتكر ومثير للاهتمام”.
وأردفت: “هذه ليست سوى فئران وقوارض، وبالطبع البشر تعد كائنات جينية ومناعية أكثر تعقيدًا”.
وفي هذه المرحلة، لا يزال من غير المعروف الطريقة الفضلى لاستخدام مثل هذا اللقاح. وإذا أثبت فعالية لدى البالغين إسوة بالفئران، فهل سنحتاج إلى جرعة معززة منه كل عام؟ أم أنه من الأفضل أن يستخدمه الأطفال لخلق مناعة أساسية من الممكن أن يحتفظوا بها لسنوات؟
وأعربت نيوزيل أنها لا تزال تشعر بالريبة حيال اللقاح.
وقالت: “من غير المرجح أن تستمر فعالية اللقاح” مشيرة إلى لقاحات “كوفيد-19” التي تستخدم التقنية ذاتها، والتي لم تظهر استمرارية حماية أطول من لقاحات “كوفيد-19″ الأخرى.
لذلك تعتقد نيوزيل أن يكون لقاحًا يمكن استخدامه بطريقة محدودة، وربما بالوقت الذي تحتاج فيه إلى الحماية”.