عاود الدولار ارتفاعه أمام الجنيه المصري ليتجاوز 30 جنيهًا في البنوك المحلية مع بداية تعاملات هذا الأسبوع، بعد تطبيق البنك المركزي سياسة سعر صرف مرن بشكل دائم، في المقابل سجّلت شركات التطوير العقاري نموًا في المبيعات خلال عام 2022، بسبب اتجاه المواطنين لاستثمار أموالهم في العقار باعتباره ملاذ آمن للادخار.
وواجهت مصر أزمة حادة في تدبير النقد الأجنبي عقب خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة قدرت بأكثر من 20 مليار دولار، وانخفاض إيرادات السياحة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي من مستوى 40.98 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني عام 2022 إلى 34 مليار دولار مع نهاية العام نفسه.
وقالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، إن التذبذب في سعر الدولار أمام الجنيه المصري يعتبر أمرًا متوقعًا عقب تطبيق البنك المركزي المصري نظام سعر صرف مرن بشكل دائم، وهو ما يترتب عليه انخفاض أو زيادة بشكل متواصل في سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، حتى يستقر عند السعر العادل، والمتوقع أن يصل إليه خلال فترة النصف الثاني من العام الجاري.
تبنّى البنك المركزي المصري، مع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نظام سعر صرف مرن بشكل دائم، ضمن برنامج إصلاح اقتصادي جديد تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي، مما أدى لانخفاض الجنيه أمام الدولار، الذي سجل 30.48 جنيه للشراء، و30.58 جنيه للبيع بالبنك المركزي المصري، الأحد.
أوضحت زهير، في تصريحات خاصة ، آليات وصول الجنيه لسعر عادل أمام الدولار، من خلال تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية عير بيع حصص لعدد 32 شركة مملوكة للدولة بالبورصة المصرية، مما يترتب عليه زيادة إيرادات الدولة، وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، والحصول على شرائح جديدة من قرض الصندوق، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة، إضافة إلى السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة.
وأعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي، طرح حصص بـ32 شركة مملوكة بالدولة على مدار عام كامل، سواء من خلال البورصة المصرية أو لمستثمر استراتيجي أو كلاهما، تنفيذًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة التي تم إقرارها لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري.
وأشارت آية زهير، إلى أن اتفاق مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، لن ينعكس سريعًا على أسعار الجنيه، وإنما يتطلب أولًا تنفيذ بنود برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الصندوق، وزيادة موارد الدولة الدولارية من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر لتحقيق استقرار في سعر الصرف.
واتفقت مصر نهاية العام الماضي مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي جديد للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، تضمنت أبرز ملامح البرنامج التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض معدلات التضخم، واستمرار تحقيق فائض أولى سنوي بالموازنة العامة، والعمل على عودة مسار المديونية الحكومية للناتج المحلى في التراجع وصولا إلى مستويات تقل عن 80% من الناتج المحلى في المدى المتوسط، وفقًا لبيان رسمي.
واتفق معها الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، أن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار جاء متوقعًا في ظل تطبيق نظام سعر صرف مرن، مع ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، وعدم زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن الجنيه انخفض بنسبة كبيرة أمام الدولار منذ مارس/ آذار من العام الماضي، إلا أنه تراجع هذه المرة بنسبة 0.4% بقيمة 13 قرشًا فقط أمام الدولار، نهاية الأسبوع الماضي.
وزاد الدولار من مستوى 15.6 جنيه في مارس/ آذار الماضي، إلى أكثر من 30.5 جنيه مع نهاية الأسبوع الماضي، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
ورهن أبوالفتوح، في تصريحات خاصة ، تحديد أسعار الصرف خلال الفترة المقبلة بعدة متغيرات أبرزها إتمام صفقات ضخمة على شركات محلية، سواء مملوكة للدولة أو للقطاع الخاص، وزيادة عوائد الدولة من السياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، مع استمرار تحسن تدفقات إيرادات قناة السويس، مشيرًا إلى أن إتمام الصفقات وضخ استثمارات جديدة مرتبطة باستقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
في سياق آخر، قال طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، إن الشركات العقارية سجّلت مبيعات ضخمة خلال عام 2022، بفضل اتجاه المواطنين للاستثمار في العقار باعتباره ملاذ آمن للادخار، ومواجهة التحديات التي واجهت الاقتصادين العالمي والمحلي أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، وتخفيض الجنيه أمام الدولار.
ووفقًا لتقرير شركة ذا بورد كونسالتنج للاستشارات، سجّلت مبيعات أكبر 5 شركات تطوير عقاري في مصر 143 مليار جنيه (4.1 مليار دولار) خلال عام 2022.
رجح شكري، في تصريحات خاصة ، استمرار نمو مبيعات شركات التطوير العقاري خلال العام الجاري بنفس نسب العام الماضي، مع استمرار زيادة الأسعار ولكن بوتيرة أقل كثيرًا من التي شهدتها العام الماضي، قد تصل إلى 10% العام الحالي مقارنةً بنسبة 60% العام الماضي، وربط زيادة أسعار العقارات بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
غير أنه أشار إلى تأثير ارتفاع تكلفة مواد البناء نتيجة انخفاض الجنيه على هوامش ربحية شركات التطوير العقاري، خاصةً الشركات التي باعت خلال السنوات الماضية، وتأخرت في تنفيذ الوحدات، إذ ستتكبد هذه الشركات خسائر من فارق بيع الوحدات وقت عرضها للحجز، وتكلفة تنفيذها في الوقت الحالي، والتي ارتفعت بشكل كبير نتيجة زيادة أسعار الحديد، وانخفاض الجنيه أمام الدولار.
ارتفعت أسعار مواد البناء بشكل كبير خلال الفترة الماضية نتيجة انخفاض الجنيه أمام الدولار، واقترب سعر طن الحديد من مستوى 30 ألف جنيه (983.34 دولار) لبعض الشركات الكبرى، وبلغ سعر الأسمنت 2000 جنيه (65.56 دولار).
وتابع أن الشركات العقارية الصغيرة التي لا تمتلك مساحات أراضي جديدة للتطوير، ستتعرض لمشاكل ضخمة نتيجة فارق السعر من وقت بيع الوحدات، وسعر التكلفة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن غرفة التطوير العقاري تعمل في الوقت الحالي مع الحكومة على تنشيط التمويل العقاري لتصبح الوحدة هي الضمان للحصول على التمويل، وذلك لزيادة المبيعات في ظل انخفاض القوة الشرائية للمواطنين.
خصص البنك المركزي المصري، في مارس/ آذار عام 2021، مبلغ 100 مليار جنيه (3.3 مليار دولار) مبادرة لتمويل شراء الوحدات السكنية بفائدة 5% لمحدودي الدخل، ونسبة 8% لمتوسطي الدخل، قبل أن تقرر الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وقف تجديد المبادرة ونقل تبعيتها إلى وزارة الإسكان حتى لا تحمل تكلفة على الموازنة العامة للدولة.
قالت عبير عصام، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، إن المواطنين اتجهوا للاستثمار العقاري خلال العام الماضي للحفاظ على قيمة مدخراتهم في ظل انخفاض الجنيه أمام الدولار، مما تسبب في تجاوز كل شركات التطوير العقاري سواء الصغيرة والكبيرة مستهدفات المبيعات خلال عام 2022.
وأوضحت “عصام”، في تصريحات خاصة، أن شركات التطوير العقاري الناجحة التي عملت على سرعة تطوير المشروعات من خلال التمويل من مقدمات وأقساط العملاء مما جنبها مشكلة فارق السعر بين موعد بيع الوحدة، ووقت تنفيذها، متوقعةً استمرار نمو المبيعات خلال هذا العام في موسم رمضان، والذي يشهد عروضًا من الشركات العقارية، وخلال أشهر الصيف تزامنًا مع عودة المصريين من الخارج لقضاء إجازة.
أشارت عبير عصام، إلى أن ارتفاع تكلفة مواد البناء دفعت شركات التطوير العقاري إلى تحديث دراسة جدوى المشروعات المنفذة شهريًا لتتزامن مع التغير في التكلفة، وبناءً عليها تعيد تحديد الأسعار بصفة دورية ربع سنويةً بدلًا من كل عام في الماضي.