تبدو وكأنها مدينة خرجت من فيلم خيال علمي: كبسولات فضائية، تنانين طائرة وصخور عائمة. لكن هذه هي المملكة العربية السعودية، التي تريد تحويل عاصمتها إلى واحدة من “أكثر المدن ملاءمة للعيش على وجه الأرض”.
أعلن صندوق الثروة السيادي السعودي، الجمعة، أن المملكة تبني مركزًا جديدًا للمدينة في العاصمة الرياض. ويهدف مشروع “المربع الجديد”، الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى توسيع العاصمة بنحو 19 كيلومترًا مربعًا لاستيعاب مئات الآلاف من السكان.
يقع في قلب المشروع “المكعب”، بارتفاع 400 متر وعرضه 400 متر وطوله 400 متر، وهو كبير بما يكفي لاستيعاب 20 مبنى مشابه لبرج إمباير ستيت. إنه يقدم “تجربة غامرة” مع المناظر الطبيعية المتغيرة من الفضاء الخارجي إلى الآفاق الخضراء، وفقًا لصندوق الاستثمارات العامة، صندوق الثروة السيادي الذي يقوده محمد بن سلمان بقيمة 620 مليار دولار. من المقرر الانتهاء من المشروع في عام 2030.
تهدف تقنية “التصوير التجسيمي” إلى تقديم “واقع جديد” للمستهلكين أثناء التسوق وتناول الطعام. كما يضم المبنى مرافق ترفيهية وفنادق ووحدات سكنية.
شرعت المملكة العربية السعودية، التي كانت محل انتقادات الصحافة لعقود من الزمن بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، في مشروع طموح لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط والتخلص من صورتها كدولة محافظة ومنغلقة.
قال أندرياس كريغ، زميل باحث في كلية كينغز لندن لدراسات الشرق الأوسط: “في الماضي، كانت لديك مناقشات سلبية حول ارتباط المملكة العربية السعودية بانتهاكات حقوق الإنسان”. وأضاف: “لكنهم الآن يحاولون دفع روايات جديدة عن كونهم بلدًا للتنمية ويمكنه بناء مدن مستقبلية.”
لكن بعض المحللين يقولون إن المملكة العربية السعودية لديها منافسة إقليمية جادة من دبي المجاورة والعاصمة القطرية الدوحة، وكلاهما حاول منذ عقود وضع نفسيهما كمراكز سياحة واستثمار إقليمية.
قال سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن: “أن تكون ثانيًا في السباق، دائمًا ما يكون مكانًا صعبًا للبدء عندما تريد أن تصبح قائدًا”. وأضاف أن الأمر صعب بشكل خاص على المملكة العربية السعودية لأنهم “أمضوا عقودًا في عدم جذب الزوار الأجانب وغير المسلمين”.
لكن البعض تساءل عما إذا كان المشروع سيؤتي ثماره. وكانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت عن مشاريع عملاقة مماثلة في الماضي، وكان العمل فيها بطيئًا.
في عام 2021، أعلن محمد بن سلمان عن مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار في شمال غرب البلاد، مع وعود بخدم من الروبوتات وسيارات أجرة طائرة وقمر اصطناعي عملاق. وفي العام الماضي، كشف النقاب عن مدينة “ذا لاين” العملاقة، والتي تهدف إلى أن تكون ممتدة على أكثر من 170 كيلومترا وتتسع لحوالي 9 ملايين شخص.
المملكة لديها بالفعل خطة بقيمة 800 مليار دولار لمضاعفة حجم العاصمة في العقد المقبل، فضلا عن تحويلها إلى مركز ثقافي واقتصادي للمنطقة، وفقا لوسائل الإعلام السعودية.
كتبت دانا أحمد، باحثة خليجية في منظمة العفو الدولية، على موقع تويتر: “كلما ازدادت هذه المشاريع غرابة ومستقبلية، كلما ازداد صعوبة تخيل كم سيكون كل ما يحيط بها بائسًا”.
يصر المسؤولون السعوديون على أن العمل في المشاريع يسير كما هو مخطط له.
من غير الواضح مقدار تكلفة “المربع الجديد”، أو كيف يخطط صندوق الاستثمارات العامة لتمويله.
وردا على سؤال حول التكلفة وخطط التمويل، قال صندوق الاستثمارات العامة لشبكة CNN إنه لم يتم الكشف عن التفاصيل بعد وإنه سيعلن عن مزيد من المعلومات في الوقت المناسب.
ويشكك بعض المحللين في أن المملكة قد لا تكون قادرة على جمع التمويل الكافي لتحقيق طموحاتها.
وقال كريغ إنه “لم يتم تأمين الموارد المالية لكل هذا بشكل كامل”، وأضاف: “لقد حاولوا الحصول على الكثير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحقيق هذا المشروع”، مضيفًا أن الاستثمار لم يأت بالطريقة التي كانت الرياض تأملها.
تأمل المملكة العربية السعودية في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 388 مليار ريال (103 مليار دولار) سنويًا بحلول عام 2030. وبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الحالي للمملكة 19 مليار دولار بحلول عام 2021، وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) 2022 حول الاستثمار العالمي.
وقال هندرسون إن قدرة المملكة على تمويل المشروع تعتمد أيضًا على سعر النفط. وأشار إلى أن سعر البرميل منخفض حاليا عند حوالي الـ80 دولارا، مضيفا أن المملكة قد تحتاج إلى تجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار من أجل تمويل المشاريع الوطنية العملاقة.
وبينما سخر البعض من المدينة الجديدة وشككوا في جدواها، أشار البعض الآخر إلى التشابه الغريب بين ناطحة السحاب المكعبة وأقدس موقع إسلامي في مكة. الكعبة، التي يأتي اسمها من نفس جذر اسم مبنى المكعب الجديد، هي القبلة التي يتجه إليها المسلمون حول العالم للصلاة 5 مرات في اليوم، والتي يحج إليها الملايين كل عام. الصحفي مرتضى حسين، غرّد قائلا: “بناء كعبة جديدة مخصصة حصريًا للرأسمالية إفراط في الحرفية”.