ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي لمصر إلى 40.3% خلال فبراير/ شباط الماضي – وهو أعلى مستوى سجّله المؤشر منذ إطلاقه عام 2009 – وقفز معدل التضخم الأساسي الشهري بنسبة 8.1% خلال الشهر نفسه. وأرجع محللون أسباب الزيادة القياسية في مؤشر التضخم إلى انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، ونقص المعروض في بعض السلع، إضافة إلى قرب حلول شهر رمضان، الذي يرتفع قبله حجم الاستهلاك.
ويشتق معدل التضخم الأساسي من الرقم القياسي لأسعار المستهلكين مستبعدًا منه بعض السلع التي تتحدد أسعارها إداريًا بالإضافة إلى بعض السلع التي تتأثر بصدمات العرض المؤقت. ويعد البنك المركزي المصري معدل التضخم الأساسي كمؤشر توضيحي وتكميلي ولا يمكن اشتقاقه بدون الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين المعد من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وحسب البيان الرسمي للبنك المركزي المصري، سجّل الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، المُعد من قبل البنك، معدلًا شهريًا بلغ 8.1% في فبراير/ شباط 2023 مقابل معدل شهري بلغ 1.2% في الشهر نفسه من العام الماضي. وبلغ المعدل الشهري في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري نسبة 6.3%.
في حين سجّل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 40.3% في فبراير/ شباط في عام 2023 مقابل 31.2% في يناير/ شباط من العام نفسه.
وقالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، إن معدل التضخم الأساسي لمصر خلال فبراير/ شباط جاء أعلى من التوقعات، ليتجاوز مستوى 40% متأثرًا بموجة التضخم العالمية، مع عوامل أخرى داخلية أبرزها انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وانخفاض المعروض من العملة الخضراء، ونقص في بعض السلع المتوافرة بالسوق، وزيادة أسعار البنزين، إضافة إلى قرب حلول شهر رمضان، الذي ترتفع فيه معدلات الإقبال على المنتجات الغذائية.
وواجهت مصر أزمة نقص الدولار في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع قياسي في أسعار السلع الأساسية عالميًا، وتراجع إيرادات السياحة مع غياب السياح الروس والأوكرانيين اللذان يمثلان 33% من إجمالي السياحة المصرية، إضافة إلى نزوح الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد اتجاه بنوك مركزية كبرى لزيادة سعر الفائدة لمواجهة التضخم.
وأشارت زهير، في تصريحات ، إلى أن اقتصاد كبرى الدول المتقدمة يعاني من موجة تضخم مرتفعة، مستشهدة بتصريحات مسؤولي البنك الفيدرالي الأمريكي باستمرار سياسة التشديد النقدي في ظل معدلات التضخم المرتفعة، مما قد يدفع البنك لزيادة سعر الفائدة 0.5% أو أكثر في اجتماعه المقبل، بعكس تصريحاتهم السابقة بالتخلي عن هذه السياسة مع توقعات انحسار التضخم، مما يثبت أن العالم كله يعاني من أزمة تضخمية.
وتوقعت زهير استمرار نمو التضخم خلال الفترة المقبلة مع زيادة سعر بعض المنتجات البترولية مطلع هذا الشهر، وارتفاع الطلب على المنتجات الغذائية قبل شهر رمضان، مُرجحة أن يؤثر نمو التضخم على اتجاه البنك المركزي المصري لرفع سعر الفائدة في اجتماعه هذا الشهر بنسبة لا تقل عن 2%، وقد تزيد هذه النسبة وفقًا لقرار الفيدرالي الأمريكي.
ويسبق اجتماع الفيدرالي الأمريكي لتحديد أسعار الفائدة يومي 21 و22 من الشهر الجاري، اجتماع مماثل للبنك المركزي المصري نهاية الشهر نفسه.
وقالت زهير إن هناك صعوبة في عودة الاستثمار الأجنبي غير المباشر لمصر لمعدلاته السابقة في ظل التحديات التي يواجهها في الوقت الحالي من معدل الفائدة الحقيقي، وزيادة سعر الفائدة عالميًا، لافتة أن البنك المركزي المصري يحاول الحد من التضخم من خلال زيادة سعر الفائدة، وطرح شهادات ادخار مرتفعة العائد من خلال البنوك الحكومية، والقضاء على السوق الموازية لسعر الصرف، هذا بجانب إجراءات حكومية للرقابة على الأسعار.
ورفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 800 نقطة خلال العام الماضي، ليصل سعر العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملة الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 16.25%، 17.25%، 16.75%، على الترتيب، وبعدها أبقى البنك على أسعار الفائدة عند هذه المستويات في أول اجتماع له خلال عام 2023 في 2 فبراير/ شباط الماضي.
من جانبه، قال الخبير المصرفي طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم سابقًا، إن الزيادة الكبيرة في مؤشر التضخم الأساسي تتماشى مع انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ومبالغة بعض التجار في تحديد الأسعار وفقًا لتقديرات غير رسمية للدولار، مع استمرار نقص العملة الأجنبية في الأسواق مما أدى إلى تسعير عشوائي للسلع والمنتجات في الأسواق، متوقعًا استمرار نمو التضخم حال عدم القدرة على توفير الدولار.
وتحاول الحكومة المصرية حل أزمة نقص الدولار في السوق من خلال بدائل عدة، أبرزها طرح شهادات بنكية مرتفعة العائد لتشجيع المواطنين على وقف المضاربات على العملة الأجنبية، وطرح أراضي للمصريين في الخارج ومنحهم حق استيراد سيارات، إضافة إلى تشجيع الشركات على زيادة الصادرات، ووضع خطط لزيادة إيرادات السياحة.
وقال متولي، في تصريحات خاصة ، إن أسعار السلع الأساسية عالميًا عادت إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن تسعير الدولار في المعاملات التجارية يتم بقيمة أعلى من السوق الرسمي بفارق كبير نتيجة توقعات التجار انخفاض جديد للجنيه مما يؤثر على زيادة الأسعار بشكل كبير، لافتًا أن رفع سعر الفائدة لن يحل أزمة التضخم، ولكن الحل في توفير الدولار لوقف المضاربات على العملة الخضراء.