عندما كان الإيرانيون الذين تم إجلاءهم من السودان في طريقهم إلى خارج المملكة العربية السعودية يوم السبت، ذهب مسؤول عسكري سعودي كبير إليهم حين كانوا يركبون طائرتهم عائدين إلى الوطن لتوديعهم بحرارة.
وقال قائد المنطقة الغربية للمملكة اللواء أحمد الدبيس للإيرانيين المغادرين، حيث كان يدا بيد مع حسن زرنجار، القائم بالأعمال الإيراني لدى المملكة: “هذا بلدكم ذا كنتم بحاجة إلى أي شيء في السعودية، فأنتم مرحب بكم … إيران والسعودية، إخوة.”
تم الترحيب بـ65 إيرانيًا تم إجلاءهم من السودان من قبل الجيش السعودي في مدينة جدة السعودية المطلة على البحر الأحمر بالورود، وبثت صورهم على التلفزيون الحكومي الإيراني والسعودي. وقال الدبيس لزرنجار إن الترحيب الودي بالإيرانيين كان “من توجيهات القيادة، من الملك، ومن ولي العهد”.
لم يكن من الممكن تصور مثل هذه الصور قبل أشهر فقط، عندما كانت إيران والمملكة العربية السعودية خصمين إقليميين لدودين ينخرطان في صراعات متعددة بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن الاثنين دفنا الأحقاد في مارس بوساطة صينية بعد ما يقرب من سبع سنوات من العداء، ويأملان في إعادة فتح السفارات قريبًا.
وقال المحلل والكاتب السعودي علي الشهابي : “هذا يمكن أن يجلب النوايا الحسنة من الإيرانيين على أمل أن يتم الرد بالمثل”.
المملكة الآن في مهمة لتجديد صورتها العالمية واحلال السلام مع الأعداء السابقين.
والجهود الدبلوماسية هي الأحدث في سلسلة تحركات تضع الرياض في دور لصنع السلام، يقول محللون إنه تحول استراتيجي بعيدًا عن أكثر من عقد من سياسة خارجية تصادمية وتدخلية.
قالت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين الخليجيين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، : “هناك سياسة خارجية جديدة تجري هنا. تسعى المملكة العربية السعودية إلى فرض نفسها أكثر فأكثر على المسرح الدولي من خلال الوساطة ورفع مكانتها الدبلوماسية.”
وأضافت أن السياسة الخارجية الجديدة للرياض أكثر استقلالية وتعطي الأولوية للمصالح السعودية.
دبلوماسية السودان
جاءت آخر محاولة دبلوماسية للمملكة في السودان، حيث تتنافس القوات الموالية لجنرالين متنافسين على السيطرة، قائد القوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع. وقد قتل المئات وجرح الآلاف في هذا القتال.
شوهدت القوات السعودية في الصور التي تم بثها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام السعودية، وهي تقوم بإجلاء آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من بورتسودان إلى مدينة جدة الساحلية، في رحلة استغرقت 12 ساعة عبر البحر الأحمر. تم إعطاء الرجال والنساء والأطفال الأعلام السعودية للتلويح بها بينما وثقت الكاميرات وصولهم.
أعلنت المملكة يوم الاثنين أنها أجلت أكثر من 5000 شخص من أكثر من 100 جنسية.
وقال فهد ناظر المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء: “سنفعل كل ما في وسعنا للتخفيف من هذه الأزمة. نحن نقود هذا الجهد، لكننا نعمل بشكل وثيق للغاية مع الولايات المتحدة وشركائنا الإقليميين والدوليين.”
توسطت المملكة العربية السعودية بمساعدة الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أيضًا في هدنة قصيرة بين قائد القوات المسلحة السودانية البرهان وقائد قوات الدعم السريع دقلو. تم تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة أخرى يوم الاثنين، ويقال إن المملكة تنضم إلى الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ومصر في جهود التوسط في هدنة بين القائدين.
وقال الشهابي: “كانت الجهود السعودية في السودان فرصة لوضع موارد السعودية الكبيرة في البحر الأحمر تحت تصرف المجتمع الدولي للمساعدة. يمكن لذلك أن ينعكس بشكل جيد على المملكة.”
تأتي هذه الدبلوماسية الجديدة في الوقت الذي تعطي المملكة العربية السعودية الأولوية للنمو الاقتصادي في الداخل، الأمر الذي يتطلب تحقيق الاستقرار الإقليمي للنجاح. يسعى الاقتصاد الذي تبلغ قيمته 1 تريليون دولار للابتعاد عن سمعته التقليدية كمنتج للنفط ومحافظ مولع بالقتال، والاتجاه ليصبح لاعبا اقتصاديا عالميا ومركزا إقليميا رئيسيا للسياحة والأعمال.
قالت جاكوبس إن سياساتها التدخلية السابقة “أدت فقط إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي وزيادة التهديدات الأمنية ضد المملكة العربية السعودية.”
تعمل الرياض بصرف النظر عن إيران، على إصلاح العلاقات مع الحوثيين في اليمن وتركيا والنظام السوري. كما أنها تقود الجهود لإعادة الرئيس السوري المنبوذ بشار الأسد إلى الحضن العربي بعد عقد من الزمن على قطع العلاقات معه.
شوهد الشهر الماضي قادة كبار من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يؤدون فريضة الحج في مكة. التقى بعد يومين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS، في مدينة جدة القريبة. هناك خلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية منذ أكثر من عقد. وقد توترت علاقات السعودية مع حماس خلال العقد الماضي أيضا.
تحديات المصداقية
تجاوزت جهود الوساطة التي تبذلها الرياض منطقة الشرق الأوسط. فقي العام الماضي، قالت الحكومة إنها توسطت في تبادل سجناء بين روسيا وأوكرانيا أسفر عن إطلاق سراح 10 معتقلين، بينهم اثنان من المحاربين الأمريكيين وخمسة مواطنين بريطانيين.
وأعلنت المملكة في ديسمبر / كانون الأول أنها ساعدت أيضًا بالتوسط للإفراج عن نجمة كرة السلة بريتني غرينر من الاحتجاز الروسي، مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت.
ومع ذلك، قد تواجه الجهود السعودية لتجديد صورتها كوسيط سلام تحديات في المصداقية، نظرًا لسياستها الخارجية القتالية التي دامت ما يقرب من عقد من الزمن والسمعة السيئة التي طالتها.
بظل إجراء محادثات سلام بين الحوثيين اليمنيين والوفد السعودي في العاصمة اليمنية صنعاء الشهر الماضي، حرص المسؤولون الحوثيون على الإشارة إلى أن السعودية ليست وسيطًا في الصراع اليمني كما زعمت، بل شريكا فيه.
تحاول المملكة الآن إخراج نفسها من اليمن بعد التدخل في الحرب الأهلية هناك في العام 2015 مع سيطرة الحوثيين على صنعاء. حشدت في تلك الحرب تحالفًا عربيًا ضم قوات الدعم السريع السودانية. هذه المجموعة طرف في الصراع السوداني الذي تحاول المملكة العربية السعودية المساعدة على إنهائه.
وردا على سؤال عما إذا كانت المملكة تتحمل أي مسؤولية في نزاع السودان بالنظر إلى صلتها بقوات الدعم السريع، قال ناظر من السفارة السعودية في الولايات المتحدة إن المملكة “تعمل مع جميع الأطراف ذات الصلة في السودان” وإن الرياض “تحاول الترويج لنهج شامل للعملية السياسية والحوار اللذين سيعيدان السلام والاستقرار إلى السودان.”
وأضاف: “نحن بصراحة لا ننظر إلى الوراء”.
يقول محللون إنه على الرغم من ماضيها المثير للجدل، إلا أن المملكة العربية السعودية قد لا تزال تتمتع بنفوذ كافٍ لجلب الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات. يُعد موطن إنتاج النفط موطنًا لأقدس الأماكن الإسلامية وواحدة من أغنى الدول العربية. وقد استخدمت السعودية ثروتها لبناء جسور مع بعض خصومها السابقين، خاصة بعد ارتفاع قصير في أسعار النفط عقب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.
وقال الشهابي: “السعودية لا تتظاهر بأنها وسيط محايد، لكن صوتها يحمل ثقلًا لدى العديد من الأطراف في المنطقة”، مضيفًا أنه حيثما أمكن، تريد السعودية استخدام هذا النفوذ للحد من التوترات.