سددت مصر 52 مليار دولار مستحقة عليها من ديون وأقساط دين خلال العامين الماليين الماضيين، منها 25.5 مليار دولار خلال الشهور الست الأولى من العام الجاري، وفقًا لتصريحات صحفية لوزير المالية محمد معيط.
وتستعد مصر لسداد التزامات دولية تقدر بقيمة 15.1 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، حسب بيانات البنك المركزي. في وقت قالت معيد إن الحكومة تعتزم الاقتراض من خلال إصدار سندات الباندا الصيني، والساموراي الياباني بقيمة 500 مليون دولار لكل منهما.
وأكد خبراء اقتصاد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية دون تعثر في ظل تحسن إيرادات الدولة الدولارية، وتنويع الشراكات مع الشركاء الدوليين والإقليميين.
وقال الخبير المصرفي محمد بدرة، إن مصر لم تتعثر طوال تاريخها في سداد أي ديون أو أقساطها، نتيجة تنويع مصادر دخلها من النقد الأجنبي، مؤكدًا ثقته في استمرار قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية خلال الفترة المقبلة في ظل تحسن مصادر الدخل من قناة السويس والسياحة، إضافة إلى تعزيز جهود تحويل جزء من المديونيات إلى استثمارات ضمن برنامج لمبادلة الديون.
وترتبط مصر ببرامج مبادلة الديون مع ألمانيا وإيطاليا، ووافقت الأولى في يونيو/ حزيران الماضي على إعفاء مصر من سداد ديون بقيمة 54 مليون يورو مقابل تمويل إنشاء مشروع ربط مزرعتي رياح بطاقة 500 ميغاوات لكل منهما بشبكة نقل الكهرباء.
وأضاف “بدرة”، في تصريحات خاصة ، أن البنك المركزي نجح في إعادة بناء الاحتياطي النقد الأجنبي إلى حد كبير من خلال الزيادة الطفيفة تدريجيًا في خلال الـ12 شهرًا الماضية، لتأمين سيولة لسداد الالتزامات الدولية خلال الفترة المقبلة، دون حدوث أي تعثر في سداد الديون.
وفقد احتياطي النقد الأجنبي لمصر 7.8 مليار دولار خلال الفترة من فبراير إلى يوليو من عام 2022، في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، نتيجة خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد موجة زيادة أسعار الفائدة عالميًا، وبعدها زاد الاحتياطي بقيمة 1.8 مليار دولار خلال عام ليصل إلى 34.88 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، إن مصر واجهت أزمة نقص في النقد الأجنبي نتيجة عدة عوامل أبرزها خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد زيادة أسعار الفائدة عالميًا، وارتفاع فاتورة الواردات نتيجة أزمة سلاسل الإمداد والتوريد بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى زيادة أسعار الشرائح الإلكترونية وبالتالي ارتفاع أسعار السيارات والأجهزة الإلكترونية، كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية نتيجة الحرب.
وارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 37.4% في أغسطس/ آب، وزاد الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، 1.6% مقابل 0.9% في نفس الشهر من العام السابق، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أضاف الفقي، في تصريحات خاصة أن نقص السيولة الدولارية أدى إلى خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار لأكثر من 50% ليسجل الدولار قرب مستوى 31 جنيه، مما انعكس على ارتفاع أسعار التضخم لمستويات قياسية، والتي تأثرت هي الأخرى بزيادة أسعار السلع الأساسية عالميًا، مما دفع البنك المركزي لزيادة سعر الفائدة 11% منذ مارس/ آذار من العام الماضي لكبح جماح التضخم.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه من مستوى 15.5 جنيه في مارس/ آذار 2022 إلى 30.82 جنيه للشراء بالبنك المركزي المصري، وذلك نتيجة نقص موارد مصر من النقد الأجنبي متأثرة بخروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد رفع الفائدة عالميًا، وارتفاع فاتورة استيراد السلع الأساسية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وذكر الفقي أن البنك المركزي المصري يعمل في الوقت الحالي على 3 ملفات بالتوازي، وهي أولًا إعادة بناء الاحتياطي النقدي للبلاد بعد خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وثانيًا تلبية تكلفة فاتورة الاستيراد المرتفعة والتي تصل إلى 8 مليارات دولار شهريًا، وثالثًا سداد التزامات مصر الدولية من الديون وأقساط الدين بمتوسط 2 مليار دولار شهريًا، وذلك من خلال زيادة مصادر النقد الأجنبي عبر زيادة عوائد السياحة وقناة السويس والصادرات المصرية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحفيز زيادة تحويلات المصريين بالخارج، بهدف بناء احتياطي يكفي في الوقت الحالي لتغطية احتياجات البلاد لمدة 3 شهور.
وحققت قناة السويس أعلى عائد في تاريخها مسجلة 9.4 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية 2022/2023 بنسبة زيادة غير مسبوقة بلغت 35% عن السنة المالية السابقة.
وقال الفقي إنه بجانب تعزيز إيراداتها الدولارية، حصلت مصر على تمويلات من مؤسسات تمويل دولية أبرزها الحصول على قرض من البنك الدولي بقيمة 7 مليارات دولار، وقرض آخر من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار بجانب تمويلات من شركائها الدوليين والإقليميين في صورة ودائع خليجية، وبيع أصول حكومية بقيمة إجمالية 5.2 مليار دولار، وهناك حزمة أخرى من الأصول سيتم بيعها خلال الفترة المقبلة لجمع 5 مليارات دولار، علاوة على إصدار سندات في الأسواق الدولية مثل سندات الساموراي والباندا.
وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، وافق مجلس الوزراء على قيام وزارة المالية بتنفيذ إصدار جديد من “سندات الساموراى”، بقيمة 500 مليون دولار، بالين الياباني، لمدة خمس سنوات، وذلك في إطار تحقيق مستهدفات تنويع الأسواق الدولية، والعملات، والمستثمرين؛ لتمويل الموازنة العامة، وإطالة متوسط عمر الدين، وفقًا لبيان صحفي.
وقال الفقي إن مصر نجحت في سداد التزامات دولية بقيمة 96 مليار دولار خلال الأعوام من يوليو/ تموز لعام 2016 حتى سبتمبر/ أيلول لعام 2022، مما يؤكد التزام مصر بالوفاء بتعهداتها من الديون والأقساط في المواعيد المحددة، ولكن استكمال هذا الالتزام يتطلب سرعة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لافتًا التسهيلات التي أقرتها الحكومة خلال الفترة الماضية من تشريعات وقرارات وتمويل لتشجيع زيادة القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى موافقة صندوق النقد الدولي على استكمال قرضه لمصر، بعد اجتماع لجنة المراجعة المقررة خلال الأيام المقبلة لصرف الشريحتين الثانية والثالثة.
ووافق صندوق النقد الدولي، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي على إقراض مصر مبلغ 3 مليارات دولار، وصرف الشريحة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول بقيمة 347 مليون دولار، وأجلت صرف الشريحتين الثانية والثالثة بعد تنفيذ برنامج الإصلاح المتفق عليه، والذي يشمل تحرير كامل لسعر الصرف، وبيع أصول حكومية.