خلال عام من الاضطرابات المذهلة التي شهدها قطاع الطيران، كان من المتوقع حدوث تغييراً هائلاً، على أقل تقدير.
وعلى مدى سنوات، كانت الصين في طريقها لأن تصبح أكبر سوق طيران في العالم، متجاوزةً الولايات المتحدة.
وتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي حدوث ذلك بحلول عام 2024، ولكن يبدو أن أزمة “كوفيد-19” قد سرعت عملية الاستحواذ على السوق.
وانتزعت الصين لقب أكبر سوق للطيران في مايو/أيار 2020، وفقاً لبيانات من محللي الطيران لدى شركة “OAG”. ويشير اتحاد النقل الجوي الدولي إلى أن الصين “تواصل قيادة الانتعاش العالمي لنشاط الطيران”.
ويتماشى ذلك بشكل جيد مع استراتيجية “صنع في الصين 2025″، والتي تهدف إلى تعزيز المنتجات المصممة والمصنعة محلياً في الصين.
وبالنسبة لمنظومة الطيران في الصين، يعني ذلك اعتماداً أقل على شراء الطائرات الأجنبية.
واعتباراً من بداية هذا العام، كان من المقرر بناء أكثر من 200 مطار إضافي في الصين على مدار الـ15 عاماً المقبلة لمواجهة طفرة النمو التي لا هوادة فيها.
ومنذ وقت ليس ببعيد، كانت توقعات شركة “بوينغ” للسوق التجاري “2019 – 2038” تشير إلى أن الصين ستحتاج إلى 8 آلاف و90 طائرة ركاب جديدة بالإضافة إلى خدمات الدعم المرتبطة بها على مدار 20 عاماً القادمة، بمبلغ قدره 2.9 تريليون دولار.
وفي الوقت ذاته، تم أخيراً ربط نقاط النقل عبر الامتداد الشاسع للصين، مما يساعد على دفع النطاق غير العادي لطموحات البنية التحتية للصين.
ويقول كريستيانو تشيكاتو، مدير شركة زها حديد للمهندسين المعماريين، الشركة التي تقف وراء مطار بكين داشينغ الدولي، الذي افتتح مؤخراً: “أصبحت الصين متقاطعة مع الخطوط الجوية المحلية المباشرة”.
ويشير تشيكاتو إلى أن شبكة الاتصال الدقيقة هذه “تعكس شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين، وتعكس النمو الهائل في الحاجة إلى الطائرات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي يمكن أن تلبي طلب الجمهور المتنقل لوسائل سفر آمنة وسريعة وغير مكلفة”.
ويقدر آخر تحليل أجراه اتحاد النقل الجوي الدولي أن حركة الركاب العالمية لن تعود إلى مستويات ما قبل “كوفيد-19” حتى عام 2024.
وفي ظل هذه المعلومات، من المرجح أن تبقى الصين قوة كبيرة ضد ضعف الولايات المتحدة وأوروبا، بسبب عمليات الإغلاق وقيود السفر المستمرة جراء ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا.
ومع إعادة تشغيل رحلات الطيران مبدئياً، تواجه “بوينغ” منافستها الأوروبية “إيرباص” للحصول على نصيب الأسد من تعافي السوق بطائرتيهما من طراز “B737″ و”A320” على التوالي.
وفي الوقت ذاته، طورت الصين منافس محلي، “COMAC”، من طراز “C919”.
وتملك الطائرات الثلاث المتنافسة مواصفات مماثلة، وهي أن جميعها طائرات ذات ممر واحد، ومحركين بسعة جلوس تتسع لما بين 150 إلى 180 راكباً، وهي مناسبة لخدمة المسارات المحلية والإقليمية.
ويشرح تشيكاتو أن طائرة “COMAC C919” صُممت لتكون طائرة ركاب دولية بخصائص صينية. وهذا يعني القدرة على مطابقة الجودة والسلامة التي وضعتها شركتا “بوينغ” و”إيرباص”، ولكن أيضًا من خلال دمج الاحتياجات المحددة للسوق الصيني، أي مهام عالية الكثافة مع أوقات تحول سريعة من المطارات مع مستويات متفاوتة من التطوير.
ويبلغ مدى طائرة “C919” ما يصل إلى آلاف و555 كيلومتراً وحصلت على إجمالي 815 طلباً من 28 عميلًا، غالبيتها من شركات الطيران الصينية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إحداث تأثيراً خطيراً في دفاتر الطلبات الخاصة بالموردين الحاليين.
وفي الوقت الذي كانت فيه العديد من شركات الطيران الغربية توقف طائراتها في الصحراء، وتؤجل أو تلغي شحنات الطائرات من الشركات المصنعة، تم تعزيز دفتر طلبات “COMAC” من خلال تشكيل شركة “OTT Airlines” في فبراير/شباط، وهي شركة جديدة تابعة لخطوط شرق الصين الجوية.
وتتمثل الخطة في أن تكون شركة “OTT” عميلًا لإطلاق طائرة “C919″، مع تشغيل الناقل على المسارات الرئيسية والإقليمية، والتركيز حول منطقة دلتا نهر اليانغتسي والانطلاق نحو المقاطعات المحيطة.
ولكن ما الذي يميز طائرة “COMAC” عن منافسيها الغربيين من حيث تجربة الطيران؟
وبينما أن العناصر الرئيسية للطائرة مثل جسم الطائرة والجناح الخارجي قد تم تصميمها بشكل مستقل من قبل “COMAC”، فقد استعانت الشركة بالخبرة الغربية، لا سيما تلك الخاصة بمجموعة الصناعية الفرنسية ذات التقنية العالية ومصنعة محركات الطائرات “Safran”، التي ستنتج مقصورة الطائرة والهيكل الذي يضم المحركات ويربطها بجناحي الطائرة.
ويتم إنتاج محركات “LEAP-1C” الخاصة بطائرة “C919” بواسطة مشروع “CFM” المشترك بين صانع المحركات الأمريكي “GE Aviation” و”Safran”.
وتقول شركة “Safran” إنها ستزود مقصورة طائرة “C919” بالمراحيض، والمطابخ، وأبواب قمرة القيادة.
وقالت الشركة إن “المراحيض ستكون “أكبر مما هو متعارف عليه داخل الطائرات المنافسة”.
وتعني المراحيض الأكثر اتساعاً أنه سيكون من الممكن التنقل من خلال تقليل التلامس مع الأسطح، ويمكن أيضاً أن تجعل التنظيف والصيانة مهمة أقل صعوبة بالنسبة للطاقم الذي يتدافع على متن الطائرة بين الرحلات لتطهير المراحيض، وهي تعد ميزة مهمة خلال حقبة “كوفيد-19”.
وسيحتوي الجزء الخلفي من الطائرة على مطبخ كامل الحجم مع مساحة واسعة لعمل طاقم الطائرة.
وتقول “Safran” إنها “تدرك أن العديد من شركائها في الخطوط الجوية في الصين ستستعين بهذه الطائرات على مسارات قصيرة داخل الصين، مما يجعل خدمة الوجبات تحدياً”.
ولمعالجة أوقات الرحلات المضغوطة على المسارات المحلية، توضح “Safran” أن مصممي المقصورة قد توصلوا إلى “تصميم مطبخ مريح، مع أسطح عمل كبيرة، ومجهزة بعربات طعام سهلة المناورة، والتي تساعد الطاقم في توزيع وجبات الطعام الخفيفة والمشروبات للركاب بشكل أسرع”.
ومن المحتمل أيضاً أن تكون المطابخ الفسيحة نقطة بيع في جميع أنحاء العالم، حيث تعمل شركات الطيران على الامتثال لإرشادات تقديم الطعام الجديدة على متن الطائرة التي وضعتها جمعية تموين شركات الطيران.
ولأسباب تتعلق بمعايير معالجة الطعام المشددة، كالاستجابة لجائحة كورونا، تتحول شركات الطيران الآن إلى خدمة الطعام بدون لمس على متن الطائرة. وهذا يعني الكثير من التعبئة والتغليف، وهذا بدوره يعني الحاجة إلى مساحة إضافية، وهو ما توفرة طائرة “C919”.
البصمة الكربونية
أما فيما يتعلق بالمخاوف البيئية، فتقول “Safran” إنها “حققت تطورات في هياكلها التي تمكن التصميمات الداخلية من أن تكون خفيفة الوزن ومتينة، مما يساعد على تقليل البصمة الكربونية مع تحمل قسوة خدمة المسافات القصيرة”.
ويُزعم أيضاً أن محركات الطائرة أكثر كفاءة. ويوفر محرك “LEAP-1C”انخفاضاً بنسبة 15% في استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقابل المحركات الحالية، وهامش يصل إلى 50% من انبعاثات أكسيد النيتروجين،”، بحسبما ذكرته “Safran”.
وستعمل المحركات أيضاً على تخفيف الضوضاء داخل وحول المطارات.
متى يمكننا الطيران على متنها؟
وقامت “COMAC” ببناء أسطول من ستة إصدارات من النماذج الأولية للطائرة “C919” والتي كانت تسير من خلال برامج اختبار الطيران.
وخاض نموذج أولي رحلته الأولى في عام 2017، وتم إجراء آخر اختبار طيران، على الرغم من أزمة “كوفيد-19″، في فبراير/شباط 2020.
ورغم من أن طائرة الاختبار تعمل على تسجيل الأميال الجوية، إلا أنه لم يتم الإعلان عن موعد رسمي لدخول “C919” لأول مرة في خدمة الركاب.
وتتم حالياً مناقشة اختيار فترة أواخر عام 2021 أو أوائل عام 2022 كإمكانية لبدأ العمليات التجارية، ولكن مزيجاً من العوامل يمكن أن يعيق ذلك.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤثر نتيجة الانتخابات الأمريكية على تدهور العلاقات الأمريكية مع الصين، للأفضل أو للأسوأ، وهو ما قد يكون له تداعيات على تصدير محركات “CFM”.