في عمق المناطق النائية الأسترالية، تقف صفوف من الطائرات الرابضة على رمال الصحراء الحمراء، منتظرة مضي الجائحة تحت سماء زرقاء شاسعة.
وقبل شهر مارس/ آذار من هذا العام، قامت شركة “Asia Pacific Aircraft Storage” بتخزين، وصيانة، وإعادة تنشيط حوالي 75 طائرة في منشأتها الصحراوية في مدينة أليس سبرينغز.
واليوم، هناك ضعف عدد الطائرات في حالة سبات في هذا الموقع البعيد في الإقليم الشمالي في أستراليا.
وشهدت الجائحة توقف أكثر من ثلثي عدد الطائرات التجارية في العالم، وانتهى الأمر بالعديد منها في مقبرة الطائرات.
ولا يزال حوالي نسبة 31% من أسطول طائرات الرحلات الجوية المخصصة لنقل الركاب العالمي متوقفة بمرافق التخزين، وفقاً لشركة تحليلات الطيران “Cirium”.
وأوضح توم فينسينت، العضو المنتدب لشركة “Asia Pacific Aircraft Storag ” لقد قمنا الآن بزيادة سعة التخزين لاستيعاب أكثر من 200 طائرة”، مضيفاً أنه يتوقع أن يستمر الطلب في النمو حتى عام 2021.
وأشار فينسينت إلى أن بيئة الرطوبة المنخفضة تعد مثالية للحفاظ على الطائرات، حيث تمنع بشكل أساسي تآكل الأسطح في جميع أجزاء الطائرة، وخاصةً المحركات.
وقال فينسنت إن منشأة تخزين الطائرات وتفكيكها تعد الأولى من نوعها في المنطقة، وهي موطن لطائرات تابعة للعديد من شركات الطيران أمثال “كاثي باسيفيك” وهي شركة الطيران الوطنية في هونغ كونغ، وخطوط هونغ كونغ اكسبرس، والخطوط الجوية السنغافورية.
ولكن مع استئناف السفر ببطء وبدء العالم في الطيران مرة أخرى، ما الذي يتطلبه الأمر بالضبط لإعادة الطائرات إلى السماء بعد قضاءها عدة أشهر في الصحراء؟
تخضع الطائرات إلى برنامج مكثف قبل أن تحصل على شهادة الإفراج التي تصدّق على صلاحيتها للخدمة، ويتم تحديد كل مهمة يجب إنجازها من خلال دليل صيانة الطائرات المقدم من قبل الشركة المصنعة للطائرة، بحسب ما ذكره فينسينت.
وعندما تتوقف الطائرات لبعض الوقت، فإن تجهيزها للطيران مرة أخرى يعني البدء بأشياء بسيطة مثل إزالة العدد الهائل من واقيات المحركات، بالإضافة إلى الأشرطة التي تغطي جميع المنافذ في الطائرة، وفقاً لما ذكرته مهندسة الطائرات B1 المرخصة، ستيف سميث.
وأوضحت سميث أنه “ليس هناك ما هو أسوأ من امتلاك أنظمة مليئة بالحشرات، أو المياه، أو الأوساخ” مشيراً إلى أن التحقيقات في حوادث الطيران على مر السنين أثبتت أن انسداد نظام بيتوت الثابت في الطائرة يمكن أن يؤدي إلى كوارث”.
وستحتاج الطائرة كذلك إلى تهوية جيدة.
وتقدر سميث أن العملية ستسغرق أكثر من 100 ساعة عمل لجعل طائرة ذات جسم عريض صالحة للطيران بعد التخزين، بينما ستحتاج طائرة ضيقة البدن إلى حوالي 40 ساعة عمل.
ويعتمد الوقت المستغرق على كل من حجم الطائرة ومدة تخزينها، فإذا كانت الطائرة مخزنة على المدى القصير فقط، فيمكن استعادتها بسرعة كبيرة، لأنها كانت تخضع للصيانة كل أسبوعين لإبقائها صالحة للطيران.
بينما يمكن أن تستغرق الطائرات المخزنة على المدى الطويل وقتاً أطول.
وتشمل المهام الأخرى تغيير السوائل في المحركات وإعادة توصيل البطاريات،وبعد ذلك، يقوم الفريق بإجراء جميع عمليات الفحص الوظيفية لنظام الطائرة حسبما ذكرته سميث.
ويتعين على المهندسين القيام بسلسلة من عمليات تشغيل المحرك وفقاً لدليل صيانة الطائرات.
وأشارت سميث إلى أن هذا الإجراء معد لضمان استمرار أداء المحركات كما يجب، وأن التخزين طويل المدى لم يتسبب في أي آثار ضارة لأي من الأنظمة التي لن تكون واضحة بمجرد النظر إليها من الخارج.
وبالنسبة إلى بعض الطائرات الأحدث، يجب اتباع هذه الاختبارات بالترتيب الدقيق وفي الثانية بالضبط وإلا فقد تفشل في الاختبار وتعيدك إلى الوراء بضع ساعات، بحسب ما ذكرته سميث.
وبمجرد فحص حزم أعمال الصيانة واعتمادها بشكل شامل، يمكن للمهندس بعد ذلك توقيع الشهادة للطائرة باعتبارها صالحة للطيران.
وإذا وقع عطل بالطائرة، فستقع المسؤولية على المهندسين في المقام الأول، إذ أنهم هم من قاموا بالتوقيع على شهادة الصيانة التي ربما تسببت في المشكلة، بحسب ما أشارت له سميث.
وقد يحتاج المهندسون إلى الدفاع عن أنفسهم في المحكمة بعد التحقيق معهم.
ومن جانبه، شدد مايك كورن، المدير التجاري لشركة خدمات الطيران “eCube Solutions”، على كيفية اتباع المهندسين للإجراءات، وكأنها نصوص دينية، عند “إزالة الحفظ” أو إعادة تنشيط الطائرات.
وقال كورن ، إن الشركات الوحيدة التي يمكنها أداء أعمال الصيانة يجب أن تحصل على موافقة هيئة صلاحية الطيران الوطنية.
وأضاف كورن أن “صيانة الطائرات عمل جاد للغاية تدرك فيه جميع الشركات أنها لا تستطيع الخروج عن أداء المهام المحددة”.
وخلال الأشهر الأخيرة، لم ير كورن أي طائرة في منشآته في المملكة المتحدة وإسبانيا تعود إلى الخدمة، بحسب ما ذكره.
وأشار كورن أن لديهم فكرة عن أنواع الطائرات التي من المرجح أن تعود إلى التشغيل، مثل بوينغ 737-800، مضيفاً أنها قابلة للتسويق، وهناك شعور بأنها ستستمر في امتلاك سوق عندما تحل فترة انتعاش الطيران.
وحسب اعتقاده، يرى كورن بأن طائرات إيرباص “A320” وبوينغ 737، التي يصفها بـ “العمود الفقري لجميع شركات الطيران في العالم”، ستعود إلى السماء.
كما يتوقع كورن أن تخضع أنواع مختلفة من الطائرات للتحويل من طائرات رحلات نقل الركاب إلى طائرات شحن.
وقال فينسينت إنه يتوقع أن تغادر الطائرات الأصغر سناً منشأة التخزين مع عودة الطلب على الرحلات الجوية.
وتعتقد سميث أن الطائرات الأحدث مثل “A350″ ستكون أول من تعود إلى السماء، مشيرةً إلى أن الطائرات الأكثر خضرة واستدامة، هي التي ستنجو من الأزمة”.
ومع ذلك، تؤكد سميث أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً ، مع الأخذ في الاعتبار حجم أعمال الصيانة التي يجب القيام بها وعدد المهندسين الذين تم تسريحهم أثناء الجائحة.