بعد نحو شهر من الكشف عن موقع حمّام روماني أثري في قلب العاصمة الأردنية عمّان، وفي منطقة مكتظة بالحركة التجارية، شرعت السلطات المحلية بطمره “مرحليا” إلى حين توفر الإمكانات اللازمة واستكمال المخطط الشمولي، لإعادة إظهار الموقع وما يحيط به من آثار أخرى، ترتبط بمعالم المدينة الأثرية الرومانية التي تقوم على أنقاضها وسط عمّان.
واكتُشف الحمّام الروماني “بالصدفة” خلال عملية إنشاء قناة لتصريف مياه الأمطار على امتداد الشارع الموازي لموقع المدرج الروماني الأثري بتاريخ 12 ديسمبر/ كانون الاول الماضي، ما دفع السلطات إلى وقف العمل بالمشروع وحماية الموقع بعد تقييم استغرق نحو ثلاثة أسابيع، وترافق الأمر مع جدل واسع بين الأردنيين حول مصير الموقع.
وقال مدير دائرة الآثار العامة الأردنية يزيد عليّان، إن عملية الطمر هي عملية مؤقتة ومرحلية، إلى حين إعادة فتح الحمّام الروماني واستكمال التنقيب عن الآثار المتصلة به، وربطها بالكامل مع المدرج الروماني ومعالم أخرى، ضمن مخطط شمولي لآثار عمّان القديمة مع جبل القلعة وغيرها من المعالم الأثرية.
وأضاف عليّان في حديث الاثنين، إن “عمّان من أقدم المدن التاريخية، وتعود الى العصر الحجري القديم حيث اكتشف في عين غزال أقدم التماثيل الآدمية التي ترجع إلى قبل 9 آلاف سنة”، موضحاً أن “موقع جبل القلعة كان عاصمة مملكة العمونيين قبل 3 آلاف سنة، لكن الكتلة المعمارية للبقايا الأثرية الأكثر انتشارا وسط العاصمة، هي لبقايا أثرية تعود إلى العصر الروماني في القرن الثاني الميلادي، حيث بني المدرج الكبير والصغير، وكذلك سبيل الحوريات قرب السوق التجاري، بالإضافة إلى معبد هرقل في جبل القلعة”.
ورأى عليّان، أنه ليس من المستغرب اكتشاف الحمّام الروماني الذي كان جزءاً من مكونات المدينة الرومانية، مضيفاً: “يوجد آثار رومانية كثيرة وسط المدينة، تشبه آثار جرش وأم قيس، لأن عمّان كانت إحدى المدن العشرة الرومانية( الديكابوليس)”.
ولكن الكثير من آثار عمّان الرومانية وسط البلد قد غمرها الشارع المعروف بسقف السيل، والذي بُني خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نتيجة الزحف العمراني الكبير الذي رافق تطور مدينة عمان، و تزايد عدد سكانها أكثر من مائة مرة، منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم، بحسب ما ذكره عليّان.
وقد أظهرت المسوحات الأثرية والمسح الراداري الذي نفذته دائرة الآثار العامة والجامعة الهاشمية، وجود آثار كثيرة تحت الشارع، وضمن مسار العبّارة الصندوقية ( قناة تصريف المياه) التي شرعت بلدية أمانة عمّان بنفيذها على مسافة نحو 300 متر .
وأوضح عليّان في هذا السياق أن “المسح الجيوفيزيائي أظهر أن الآثار تحت الشارع على هذه المسافة، وبعرض الشارع الذي يبلغ حوالي 12 متراً، تنتشر على مستويين من الأعماق، واحد على عل عمق متر ونصف، والثاني على عمق 4 أمتار تقريباً، أي على طول الشارع المؤدي الى سبيل الحوريات والجامع الحسيني، وهي مساحة تزيد عن 3 دونمات تقريبا”.
أما الآثار المتوقع اكتشافها تحت الشارع، فتتنوع بين الأقبية، والقنوات، والأرضيات، والغرف، والجدران. ووجد عليّان أن انشاء القناة في هذا المسار كان سيؤدي حتماً إلى “تدمير هذه الآثار”، موضحاً أنه “تم توقيف العمل إلى حين إعداد الدراسات، وتوفر الإمكانيات، ووضع الخطط المناسبة للتعامل مع هذه الآثار قبل التفكير بتنفيذ مشاريع البنية التحتية مستقبلا”.
وشهدت تلك المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، عدة فيضانات مع موسم فصل الشتاء بسبب سوء عمليات تصريف المياه، وأغرقت مياه الأمطار موقع المدرج الروماني الشهير في فبراير /شباط 2019 .
وجاءت توصية اللجنة الإستشارية المستقلة، وفقاً لعليّان بضرورة حماية الحمّام، خاصة مع استمرار استفادة بلدية عمّان من 50% من مشروع العبّارة، رغم وقف العمل بالجزء الذي يمر بالحمّام الروماني.
وبشأن عملية الطمر أوضح عليّان أن “الطمر هو طمر لموقع أثري بمواد خاصة وأكياس رملية وفقاً لمعايير دولية للمواقع الأثرية، كالمواد التي تمتص الضغوط والتغليف، وهذا إلى حين توفر الإمكانات للبدء بمشروع الربط الإستراتيجي وإظهار الآثار كاملة، ويمكن الكشف عن الموقع خلال 24 ساعة”.
ويضم الموقع الذي صدر قرار السلطات الاردنية النهائي بتحديد مصيره نهاية الاسبوع المنصرم، الحمّام الروماني، وغرف تسخين مياه وأقبية، وتمثالين رومانيين دون رأس، بالإضافة إلى مجموعة من الجرار الفخارية.
ومن جهته، قال خبير الآثار والترميم زياد السعد إن المعضلة التي رافقت الكشف عن الحمّام تتمثل بأن اكتشافه “جاء بالصدفة” في منطقة وسط البلد ومركز عّمان القديمة، والتي أُقيمت على أنقاض المدينة الرومانية، ما يعني أن “مسوحات جيوفيزيائية” كان يجب أن تجرى بشكل دوري لكل موقع، قبل أن يتم البدء بأي مشروعات إنشائية على هذا النحو.
وأضاف السعد أن “الخلل الكبير أن اكتشافه جاء بالصدفة في منطقة معروفة بآثارها التي تعود للفترة الرومانية، وهذا يؤشر إلى عدم وجود تخطيط في الكشف عن الآثار رغم توفر الوسائل العلمية الحديثة، بدلاً من تشويه وسط المدينة”، مشيراً إلى أن “الأردن سجّل اكتشاف أقدم تماثيل صنعها الانسان أيضاً بالصدفة مطلع الثمانينيات، عندما تم اكتشاف تماثيل عين غزال بسبب جرافة”.
ورجّح السعد أن يكون للموقع الأثري امتدادات في مناطق مختلفة وسط العاصمة، استناداً إلى المخطط الروماني من شوارع مبلطة، وحمّامات، ومرافق، قائلاً: “لا بد من حماية الموقع وإعطاء الأولوية له في الصيانة وتغطيته بالزجاج، بحيث يمكن للزوار السير فوقه..وبهذه الطريقة لن يؤثر على الوسط التجاري، وسيكون على غرار مواقع أثرية مشابهة في روما مدريد”.
ولفت السعد إلى أن “اكتشاف الصدفة أربك الجهات المسؤولة، وطالما أن الموقع اكتُشف، يجب العمل على تطويره سريعا”.