رأي.. بشار جرار يكتب عن إيراني رفض الاستحمام 60 عاما: “عمو حاجي” يُغسل ليرقد بسلام

قد تكون كلماتي أغرب رثاء. لكن المصاب برحيل “عمو حاجي” مصابنا جميعا. فقد رحل الثلاثاء عن عالمنا إلى ذمة الله وما عرف جسده المنهك غسلا سوى غسل الميت كأحد شروط الدفن حسب الأصول المعمول بها في جمهورية إيران الإسلامية، أو كما يصر مؤيدوها على تقديمها للشرق الأوسط وللعالم، باسم الجمهورية الإسلامية في إيران.

“عمنا الحج” أو “الخال” باللهجة المصرية -أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان- كما كان يتغنى بهم ككبار سن، الشيخ إمام والأبنودي، تعني باللغة الفارسية “عمّو حاجي”. فكيف بحق السماء، ارتضى على نفسه نظام يطرح نفسه كنصير للمظلومين في سائر أرجاء المعمورة، أن تكبر هذه المأساة في إحدى قرى ولاية تحمل اسم “فارس” ستين عاما، 43 منها كان يعيشها الفقيد في ظل عهد “روح الله آية الله العظمى” كما يعرف في إيران خميني، ومن بعده خامنئي الذي قال قبل أسابيع وبعد اشتداد ثورة الحرائر الإيرانيات، إن قلبه كان “يتمزق” على موت مهسا أميني.

قد يقول قائل إن العاصمة واشنطن ومدن أمريكية كبرى من بينها لوس آنجليس ولاس فيغاس مليئة بالمشردين والمتسولين والمدمنين. مع انعدام أي من شروط القياس، أسارع فأقول، ومن قال إن استمرار ظاهرة الـ “هوم لس” في أمريكا محل رضى حكومي أو شعبي. لكنه القانون الذي يسمح للناس -لأي كان- على الأرض الأمريكية، وليس فقط الأمريكيين بحرية الاختيار وتقرير المصير ما لم يتم خرق القانون أو المساس بالأمن العام أو التجاوز على ممتلكات وحقوق وحريات الآخرين.

وكما كشفت نكتة ألقاها الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان أمام آخر زعماء الاتحاد السوفييتي الراحل ميخائيل غورباتشوف منظّر عمليتي المكاشفة (غلاسنوست) وإعادة البناء (البريسترويكا) حول عدم تعرض أي معارض للمساءلة حتى وإن هتف ضد الرئيس أمام البيت الأبيض. فما كان من أحد المتحمسين للشيوعية وللسوفييت إلا أن سارع بالرد إنه بإمكان أي مواطن سوفيتي أيضا الهتاف ضد الرئيس الأمريكي وأمام البيت الأبيض!

فمن المفترض، أن “يتمزق” قلب الوليّ الفقيه خميني ومن بعده خامنئي على هذا المسكين الذي ملأ الدنيا سمعا وبصرا عندما تقرر إنتاج فيلم وثائقي عن حياته للمخرج الإيراني جمشيد خاوري، عرفنا بعد عرضه عام 2013 في “مهرجان سينما الحقيقة الدولي في طهران” أنه قاطع الاستحمام لخوف مرضيّ “بارانويا” تملّكته بوجود مخاطر صحية من الصابون والماء!

عاش المرحوم “المظلوم” حياة قاسية لست عقود اندلعت فيها حروب وقامت خلالها ثورات وسقطت حكومات ونظم بل ودول ولم يجد أحد ممن يحسنون “تشخيص مصلحة النظام” زيارته في قرية دجغاه، مقاطعة فراشبند الذي كان يعيش فيه أعزبا وحيدا، ولم يتفقّد أحد من “حراس الثورة” سريره – قبره أحادي الفتحة الذي كان يخلد فيه كل مساء طلبا لراحة نفسه وهم نيام..

قيل في عبارات التعزية المستخدمة عالميا: ارقد بسلام. الآن وعن عمر يناهز 94 عامًا يرقد عمو حاجي بسلام فيما الأحياء من حوله يدخلون شهرًا ثانيًا من ثاني انتفاضة تشهدها إيران إبان إدارة ديمقراطية في واشنطن..

عن sherin

شاهد أيضاً

من “بطل منتصر” إلى سلسلة من النتائج السيئة.. إليك كيف انحدر مانشستر سيتي

 قبل 7 أشهر، لم تظهر أي علامات على تراجع هيمنة مانشستر سيتي، فقد كان لاعبو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *