أعادت شهادات فتيات مصريات ناجيات من التحرش من قبل شاب، ملف التحرش والاعتداءات الجنسية في البلاد من جديد، بعدما نُشرت في بداية الأمر عبر انستغرام.
وامتلأت الشبكات الاجتماعية بالعديد من الحكايات لفتيات قُلن إنهن تعرضن للاعتداء الجنسي والاغتصاب، منها توثيق الفنانة الشابة هنا الزاهد لحظة تعرضها للتحرش والمضايقات من أحد السائقين أثناء قيادتها سيارتها، وذلك عبر بفيديو نشرته على حسابها الشخصي.
وبدأت جهات التحقيق التحقيق مع الشاب سبب الظهور الأول لشهادات الفتيات الأخيرة، بعد تلقيها بلاغًا من إحدى الضحايا، وبلاغ من المجلس القومي للمرأة، وهي الجهة الحكومية المعنية بحقوق المرأة في مصر.
وأعلنت النيابة العامة، يوم الاثنين، حبس الشاب 4 أيام احتياطيًا على ذمة التحقيقات، ووجهت له اتهامات بالشروع في مواقعة فتاتين بغير رضاهما، وهتكه عرضهما وفتاة أخرى بالقوة والتهديد، لم تبلغ إحداهن عمر الـ18 عاماً، وتهديدهن وأخريات بإفشاء ونسبة أمور لهن مخدشة لشرفهن، وكان ذلك مصحوباً بطلب ممارسته الرزيلة معهن وعدم إنهاء علاقتهن به، وتحريضهن على الفسق بإشارات وأقوال، وأمرت المحكمة بمد حبسه احتياطياً 15 يومًا، بحسب بيان النيابة.
وتحقيقات النيابة وما سبقها من دعم “افتراضي” عبر شبكة الإنترنت للناجيات من اعتداءات الشاب المنسوبة إليه، شجعت العديد من الفتيات على رواية قصصهن الشخصية مع التحرش، على نحو شبهه البعض بأنه النسخة المصرية من حركة “Metoo” العالمية، التي ظهرت منذ سنوات وأظهرت تورط شخصيات نافذة التأثير في وقائع تحرش واعتداءات جنسية.
وبين حين وآخر تنتشر شهادات فتيات عن تعرضن للتحرش، لكن الموجة الحالية تبدو أكثر قوة عن سابقاتها، لا سيما مع إعلان العديد من الجهات والمشاهير والشخصيات العامة، فضلا عن حركة التدوين المستمرة عبر الشبكات الاجتماعية، جميعها أعطى زخمًا كبيرًا للنقاش الحالي حول الظاهرة.
ومع تجدد الحديث عن أسباب انتشار ظاهرة التحرش في مصر، اتهم مثقفون شيوخ الحركة الإسلامية “الوهابية” الوافدين إلى مصر في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بأنهم سبب هذه الظاهرة.
وقالت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي، إن سبب انتشار ظاهرة التحرش في مصر، هم بعض شيوخ الوهابية الوافدين إلى مصر فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث ساهموا في نشر مفاهيم ومصطلحات، منها أن “المرأة عورة” ويجب ألا تخرج من المنزل، وأمور أخرى تتعلق بزيها وما ترتديه، مُدللة على حديثها بأن الفتيات كُنَ يرتدين ملابس قصيرة في حقبة الستينات، مثل “الميني جيب”، ورُغم ذلك لم يتعرضن وقتها للتحرش.
وترى الشوباشي، في تصريحات خاصة بالعربية، أن مصر تحتاج إلى ثورة ثقافية واجتماعية لمواجهة ظاهرة التحرش، إضافة إلى مساندة من الدولة عبر عدم سماحها لمن يحلل للمتحرش هذه الأفعال بالظهور على شاشات التليفزيون، علاوة على ضرورة إصدار المؤسسات الدينية البيانات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة.
واتفق معها الكاتب والسيناريست المصري الدكتور مدحت العدل، حول سبب ظهور ظاهرة التحرش في مصر إلى انتشار فكر الحركة الإسلامية الوهابية في مصر منذ 40 عامًا، حيث تغيَرت العديد من المفاهيم بشأن المرأة في المجتمع المصري، منها الدعوات لعدم خروج المرأة من منزلها، وعدم ظهورها لغير زوجها، حتى أن إحدى الأحزاب الإسلامية وهو حزب النور السلفي، وضع على ملصقات الدعايا الانتخابية صورة وردة بدلا من صورة السيدة المرشحة عنه للمجالس النيابية في إحدى الانتخابات التي أقيمت بعد 25 يناير كانون الثاني 2011.
كما اتفق “العدل”، خلال حديثه بالعربية، مع ما ذكرته “الشوباشي” حول ضرورة تجديد الخطاب الديني في مصر، وإطلاق ثورة ثقافية وتعليمية تواجه المفاهيم الخاطئة بشأن المرأة، مُضيفا: “المرأة المصرية تبذل في عملها وبيتها مجهود يفوق الرجل 20 مرة، في المقابل تجد من يتحدثون خطأ باسم الدين، ويقللون من شأنها.
وكشف “العدل” عن تدشين حملة باسم جبهة الإبداع، تضم كل من هو مبدع فى مجاله كمثقفين وكتاب وفنانين وعلماء لبث فيديوهات ضد التحرش ودعوة للفتيات بأن يكونوا أكثر شجاعة وعدم الخوف فى مواجهة التحرش، مضيفاً :”نهدف من الحملة توصيل رسالة للفتيات بأننا جميعاً نقف ورائهم ونساندهم فهم بناتنا”.
ودعا “العدل” إلى تغليظ العقوبات ضد التحرش وإضافة تشريعات أخلاقية ضد من يبررون التحرش من وجهة نظر أن ملابس الفتيات غير المناسبة هى من تساعد على هذا الأمر: “من يبررون التحرش هم أيضًا متحرشون ومشتركون بالجريمة ويجب مواجهتهم ومحاسبتهم”، مُبدياً دهشته من قيام بعض الشباب بمهاجمة الأزهر ودار الإفتاء لانتقاد المؤسستين مُبرري التحرش وربطه بملابس الفتيات.
وكان الأزهر ودار الإفتاء المصرية قد أصدرا بيانات تؤكد أن التحرش حرام شرعًا، وجريمة يعاقب عليها القانون، كما نددا بمبرري التحرش. وقالت دار الإفتاء: “إلصاق جريمة التحرش النكراء بقصر التهمة على نوع الملابس وصفتها، تبرير واهم لا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة، فالمسلم مأمور بغض البصر عن المحرمات في كل الأحوال والظروف”.
على ذات الوتيرة، أكدت عضو مجلس النواب آمنة نصير، أن “التحرش ليس له مواصفات ولا يفرق بين فتاة وأخرى، سواء باللبس أو الاحتشام، والأجدر غض البصر، فهو الأصل في نقاء الأخلاق”. وحمَلت “نصير” مسؤولية ظاهرة التحرش إلى غياب التربية القويمة من بعض الأسر في المنازل والانغماس وراء السوشيال ميديا والإنترنت.
وأشارت “نصير”، التي كانت تعمل كأستاذ للعقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في تصريحات خاصة بالعربية، إلى بعض الآيات القرانية التي تدعو إلى غض البصر، مُستشهدة ببعض الآيات فى سورة النور.
كما رفضت الناشطة فى حقوق المرأة داليا المنسي، دعوات البعض لتحميل الفتيات مسؤولية التحرش بهن بسبب ملابسهن، مُذكرة بفترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حينما كانت النساء ترتدى الملابس القصيرة دون أن يجرؤ أحد على التحرش بهن، فضلا عن المجتمع لذلك.
وقالت “المنسي”، في تصريحات بالعربية، إن التحرش لا يفرق بين فتاة محجبة وأخرى، كما أن الكثير من الشاب يتعلمون ويعملون فى مجتمعات منفتحة ويلتزمون بقوانينها ولا يجرؤون اقتحام الحقوق الشخصية هناك. بينما عزت سبب الظاهرة إلى غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الزواج.
وأشارت “المنسي” إلى أن الأهم من إضافة تشريعات جديدة لمواجهة هذه الظاهرة هو تفعيل القانون الحالي، لافتة أن هناك فتيات يرفضن الإبلاغ عن تعرضهن للتحرش خشية من الأهالى الذين يصفون الأمر بـ”الفضيحة”، ويرون الفتاة في موقع الجاني وليس المجني عليها.